الارتحال في طلب العلم
في بداية السنة الثانية من البعثة ألحقنا الابنين “مشرف” و”مازن” بالمدرسة، وصادف ذلك العام قُرب موعد قدوم مولودنا الجديد “معتز”، استدعى ذلك عودة الزوجة إلى المدينة المنورة للولادة بين ظهراني أسرتها، والعودة بعدها إلى بريطانيا وحينها كان الطقس شديد البرودة، وكنا في نهاية الأسبوع وخاصة والجو مشمس نتهيأ للتنزه وتمضية بعض الوقت خارج المنزل؛ خاصة في منطقة الشلالات التي تبعد حوالي خمسة عشر كيلو مترًا، نقضي أوقاتًا جميلة يتخللها تسلق الجبال وشرب الشاي أمام البحيرة.
وأحيانًا تكون الوجهة إلى قرية “خانقريق” التي تشتهر بإنتاج العسل، حيث الآيس كريم بالعسل والجلسة على النهر، والذهاب إلى قرية “بورث” للسباحة في بحر الشمال عندما يكون الطقس مناسبًا للسباحة، وفي بعض الأحيان نذهب إلى قرية “بالا” حيث مزارع الفراولة، والورود، ومنتجات الألبان، أما في الإجازات الرسمية فكنا نذهب إلى لندن وبرايتون وبلاك بول ومدينة البحيرات العظمى الجميلة. أو نقضيها في بعض مدن ويلز مثل سوانزي وكاردف.
وخلال رحلاتنا كانت أم مشرف تجهز أطباق البسبوسة والكنافة وتشكيلة من السندويتشات قبل بدء الرحلة، وبدوري أقوم بتعبئة مجموعة من أوعية تخزين الماء “جوالين”، من منطقة قريبة من المنزل بها شلال يُغذى من ماء الأمطار قريب من المنزل، وتكفي هذه المؤونة جزءًا لا بأس به من أيام الرحلة.
في إحدى الإجازات ذهبت إلى مدينة “ماربيا” الإسبانية وعند وصولنا لمطار مدينة “ملقا” الإسبانية قمت باستئجار “مركبة” إلى مدينة “فانغرولا”، مكثنا فيها ليلة واحدة، وفي صباح اليوم التالي توجهنا إلى مدينة “ماربيا” التي وصلناها ظهرًا، وتوقفنا أمام أحد المطاعم الشامية يدعى “علي بابا” لتناول وجبة الغداء، وتركت المركبة وبداخلها الحقائب في الموقف المخصص أمام المطعم.
بعد انتهائنا من تناول وجبة الغداء، وجدنا المركبة وقد تعرضت لسرقة الحقائب، ومن فضل الله وكرمه أن كانت حقيبة اليد الخاصة في حوزتي، وبها النقود والجوازات وتذاكر السفر وكروت الائتمان، مما اضطرنا لشراء ملابس بديلة وواصلنا رحلتنا إلى منتجع قريب للسكن فيه طيلة أيام الرحلة.
كان المنتجع على مقربة من مسجد الملك عبد العزيز-رحمه الله- في “ماربيا”، يعود ملكيته لمستثمرة إنجليزية، وما إن عرفت بما وقع لنا من سرقة حقائبنا وأننا قادمون من بريطانيا لقضاء إجازة قصيرة إلا وقامت بعمل تخفيض على أجرة السكن إلى النصف مع وجبتين في اليوم. كنا نؤدي بعض الصلوات في المسجد القريب، وبعد انقضاء الإجازة عُدنا إلى بريطانيا حيث مقر بعثتي.
بعد العودة تلقيت اتصالًا من البريد يُفيد فيه بوجود حقيبة مرسلة من “ماربيا” تحمل اسمي وعنواني، لم أكترث في البداية، إلى أن اتصلوا مرة ثانية، فذهبت وإذا بحقيبة من الحقائب وعند فتحي لها وجدت بها مصحفًا كبيرًا وسجادة للصلاة كانت أم مشرف قد وضعتها بداخلها لاستخدامها في الصلاة؛ سبحان الله هذا ما حصل وليس لدي تفسير سوى بركة كتاب الله الكريم، أما بقية الحقائب فلم تعد ليومنا هذا، وإلى اللقاء في سنة ثالثة ابتعاث.