أطلقت على هذه السنة وهي السنة الثالثة من البعثة تندرًا سنة “المؤتمرات واللقاءات”؛ فقد تسنى لي -ولله الحمد- حضور أكثر من ستة عشر مؤتمرًا وندوة وورشة عمل داخل الجامعات البريطانية وخارج بريطانيا، ناهيك عن المؤتمرات التي تُقيمها جامعة “ويلز” في قصر المؤتمرات العائد ملكيته لها بهبة من أحد أمراء مقاطعة ويلز في القرن الثامن عشر الميلادي، جميع هذه المؤتمرات التي شرفت بحضورها، كانت بتوصية من المشرفة على دراستي البروفيسورة “سيلفيا لوتكنز” أستاذة الإحصاء التطبيقي بكلية العلوم بجامعة “ويلز”، وتمحورت أغلب هذه المؤتمرات حول تخصصي الدقيق في الإحصاء التطبيقي.
أقوى هذه المؤتمرات العلمية من حيث الأبحاث وأوعية النشر والأساتذة المشاركين؛ ذلك المؤتمر الذي كان ضيف الشرف فيه البرفيسور “ديفيد لندلي” عالم القرن وأستاذ الإحصاء اللامعلمي وقد تعدى عتبة الثمانين من العمر، عقد المؤتمر في بداية السنة الأولى من بعثتي في مجمع المؤتمرات التابع للجامعة بقرية “جريغونوج”، بالقرب من مدينة “نيوتاون” والتي تبعد حوالي 50 ميلًا من مقر إقامتي.
في صيف هذه السنة زارني الوالد-رحمه الله- والوالدة -أدام الله عليها الصحة- بصحبة أخواني وأخواتي، وقضوا معي نحو أسبوعين، كانت من أسعد الأوقات وأجملها، وعند نهاية إقامتهم في منطقة “ويلز” استأذنت المشرفة للذهاب معهم لمدينة لندن لتوديعهم؛ تلبية لرغبتهم في قضاء أسبوع فيها للتسوق وزيارة معالم المدينة، وحجزت لهم في فندق “دورشستر” الشهير بلندن بمنطقة “مايفير” المقابلة لحديقة “الهايدبارك” في الوسط التجاري للمدينة، وبعد مغادرتهم لندن عائدين للمملكة عدت أدراجي إلى مدينتي في منطقة ويلز بالمركبة لاستئناف الدراسة.
وفي شتاء العام نفسه زارتنا والدة زوجتي-رحمها الله- مع ابنتها وبقيتا لمدة أسبوعين، قامت خلالها أم مشرف بترتيب الرحلات لهن لبعض المناطق الجميلة في مقاطعة ويلز، وفي نهاية الفترة صحبناهما إلى مدينة لندن في زيارة استمرت لثلاثة أيام وبعدها غادرتا إلى المملكة.
حقيقة لقد شكلت هاتان الزيارتان دافعًا قويًا لي ولأم مشرف ساهم في رفع معنوياتنا، والتغلب على مواجهة مصاعب الدراسة والغربة، مما منحنا حافزًا قويًا على مزيد من العمل والجهد في التحصيل العلمي والمعرفي.
ولما تتطلبه رحلة نيل درجة الدكتوراة من مجهود كبير ومثابرة، اضطررت للانقطاع عن السفر في الإجازات إلى المملكة في السنتين الأخيرتين من البعثة، ولم يتسنَّ لي زيارة الأهل سوى مرتين طيلة تلك المدة التي قضيتها في البعثة، والتي امتدت لأربع سنوات.
ومن أصعب الأيام التي مرت؛ فقدُ بعض الأقارب والمعارف-رحمهم الله-، وكان الأهل يحاولون إخفاءها خوفًا من تأثيرها على سير دراستي.
كانت الاتصالات التليفونية في تلك الفترة ليست بالسهولة التي هي عليها الآن، فقد كنت وأم مشرف نتناوب الاتصال أسبوعيًا بالأهل عبر هاتف المنزل، كان بمعدل أسبوع للاتصال بالأهل في مكة المكرمة، وآخر للاتصال بأهل أم مشرف في المدينة المنورة. مضت تلك السنة ولله الحمد والمنة وقد شارفت على البدء في كتابة الرسالة، كل ذلك بتوفيق الله أولًا ثم بدعاء والدتي الحبيبة :”الله يجعل لك في كل طريق رفيق”، استجاب الله لدعائها … وقد كان!
0