المقالات

أبي الحبيب … والقيم التربوية الرضا والقناعة

مما تعلمته من أبي الحبيب الشيخ إبراهيم أحمد أزهـر “غفر الله له” قولًا وفعلًا “مد رجليك على قدر لحافك … والقناعة لا تعارض الطموح” فقد كان -رحمه الله- قدوة لنا فى ذلك وكنا نراها مرى العين فى تصرفاته وحياته اليومية. فالرضا والقناعة من المفاهيم المهمة والقيم التربوية الجميلة التي تريح قلوبنا في الحياة، وتعدان من الصفات القوية التي تُساعد الأفراد على تحقيق السعادة والراحة النفسية، ويكمن تعريف الرضا بأنه حالة الارتياح والقبول بما هو متاح حاليًا سواء كان ذلك في العلاقات الشخصية أو العمل أو الحياة بشكل عام. أما القناعة فهي قدرة الفرد على التوقف عن السعي وراء المزيد والقبول بما لديه بالفعل، ويعتبر الرضا والقناعة من المهارات التى يمكن تعلمها وتنميتها عبر التجارب والممارسات اليومية. فمن خلال اعتماد نمط حياة يتسم بالقناعة والرضا، وهي مفاهيم هامة في الإسلام وتعكسان الحالة الروحية والنفسية التي ينبغي للمسلمين أن يسعوا إليها، وتمت الإشارة على أهمية الرضا والقناعة في القرآن الكريم والسنة النبوية. فالرضا هو القبول والإيمان بالقضاء والقدر في جميع جوانب الحياة سواء كانت إيجابية أو سلبية. يتضمن والرضا عبارة عن الاستسلام لإرادة الله وتقديره للأحداث التي تحدث في الحياة وعدم المقاومة أو الشكوى من القضايا التي يمكن أن تكون غير مرغوب فيها. ففي القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التي تشجع على الرضا وتوجه المسلمين لقبول قضاء الله. يقول الله تعالى: (عَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(البقرة: 216) وتعني هذه الآية أنه قد يكون هناك خير فيما نكره وشر فيما نحب وأن الله أعلم بما هو صالح لنا ونحن لا نعلم. أيضًا.. وورد في السنة النبوية أحاديث تعزز أهمية الرضا وتشجع المسلمين على قبول قضاء الله. قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”. وهذا يعني أن كل أمر في حياة المؤمن هو خير سواء كان الأمر سارًا أو صعبًا وأن الشكر والصبر هما الوسيلتان للحصول على الرضا والسعادة. أما بالنسبة للقناعة فهي تعني القبول بالحالة الحالية والرضا بها وعدم الطمع والحسد والرغبة في المزيد، وتعتبر القناعة فضيلة عظيمة في الإسلام فهي تعزز السكينة والسعادة الداخلية. وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة: 201). وتعني هذه الآية أن المؤمنين يدعون الله أن يمنحهم الخيرات في الدنيا والآخرة، ويحثون على طلب القناعة والتوكل على الله. كما ورد في السنة النبوية قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: “الغنى غنى النفس والفقر فقر النفس، ومن لم يقنت بالقليل لن يقنت بالكثير”، وهذا يشير إلى أن الثروة الحقيقية والقناعة تأتي من الرضا بالقليل وعدم الطمع في المزيد؛ ليصبح الفرد أكثر قدرة على التعامل مع التحديات والضغوط اليومية بطريقة أكثر هدوءًا وتوازنًا، ويعتمد الرضا والقناعة على عدة عوامل ومبادئ أساسية من أهمها ما يلي:
1. القبول: قبول الأشياء كما هي دون الحاجة إلى تغييرها أو تعديلها، ويتضمن ذلك قبول الذات والآخرين بما يحملونه من صفات وعيوب.
2. الشكر والامتنان: القدرة على التركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة والتقدير للأشياء الصغيرة التي نمتلكها. فالشكر والامتنان يساعدان في إبراز السعادة الحالية وتعزيز الرضا الداخلي.
3. التحكم في الرغبات: يتعين على الفرد تنظيم رغباته وتحقيق التوازن بين الرغبة في المزيد والقدرة على الاستمتاع بما لديه. فالرغبة المستمرة في المزيد وعدم الرضا بالحال الحالية يمكن أن يؤدي إلى عدم السعادة والاستياء.
4. التوازن الداخلي: يتعين على الفرد السعي إلى تحقيق التوازن الداخلي بين الجوانب الجسدية والعاطفية والروحية في حياته. فالاهتمام بالجوانب الشاملة للحياة يساعد في بناء الشعور بالرضا والقناعة. كما أن الرضا والقناعة لا يعنيان عدم السعي لتحقيق الأهداف والتطلعات. بل يعتبرانه قاعدة قوية تساعد الفرد على قبول الحالة الحالية والاستمتاع بالطريق نحو تحقيق الأهداف، ويمكن أن يكون الرضا والقناعة عاملين مهمين كمحفزين للنمو الشخصي والتطور؛ حيث يمكن للفرد أن يسعى لتحقيق المزيد ولكن بشكل صحي ومتوازن دون أن يفقد السعادة والرضا في الوقت الحاضر.
وبشكل عام يمكن أن يكون للرضا والقناعة تأثيرات إيجابية على الصحة العقلية والجسدية. فالشعور بالرضا يقلل من التوتر والقلق ويسهم في تحسين العلاقات الاجتماعية والعملية. كما أن القناعة تُساعد في تقليل الشعور بالحاجة المستمرة إلى المزيد، وتعزز الشعور بالراحة والاستقرار. فهما صفات مهمة تُساعد الفرد على الاستمتاع بالحياة وتحقيق السعادة الداخلية. من خلال قبول الحالة الحالية والتركيز على الجوانب الإيجابية؛ فمن خلالها يمكن للفرد أن يعيش حياة متوازنة ومفعمة بالسعادة.
#رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا
#رب قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه

– أستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى