المقالات

الغياب يُهدد كفاءة النظام المدرسي

كفاءة النظام المدرسي دائمًا ما تتراجع، وتضعُف؛ كلما ازدادت نسبة الغياب غير المبرر للطلاب والطالبات عن مقاعد الدراسة؛ حيث يُعد من أخطر الممارسات التي تؤدي إلى ضعف المخرجات التعليمية؛ خصوصًا إذا ما تحوَّل إلى نمط سلوكي مستدام يصعب تصحيحه.
فالهدر، والفاقد تعليمي لا يتمددان في أي بيئة تعليمية إلا مع اتساع ثقافة التساهل مع الغياب؛ سواءً من قبل إدارة المدرسة، أو الهيئة التعليمية (معلمون ومعلمات)، أو الجهة التشريعية والتنظيمية المعنية بدعم كفاءة النظام المدرسي.

والخسائر المترتبة على الغياب لدى كثير من الأنظمة التعليمية التي لا تطبق نظام الغرامات تتجاوز الـ 900 مليون دولار سنويًّا، وقد تفوق ذلك، لهذا الدول المهتمة بتطوير رأس المال البشري في قطاع المعرفة، وتنمية اقتصاديات التعليم؛ تطبق الغرامات المالية بلا تساهل، وتُشدد على سدادها، لحماية نظامها المدرسي، ومخرجاتها التعليمية، وهناك من يمنح بدائل تطوعية للطلاب الذين لا تستطيع أسرهم دفع الغرامات قبل نهاية العام.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا: الأنظمة التعليمية تفرض غرامات مالية على الطلبة المتغيبين بدون عُذر، أو أعذارهم تكون غير مُقنعة لإدارة المدرسة؛ بدءًا من لوس أنجلوس حيث يدفع الطلاب (ذكورًا وإناثًا) 20 دولارًا عن كل 3 أيام غياب بدون عُذر.
وفي أوهايو ترتفع الغرامة إلى 500 دولار، أو القيام بعمل تطوعي لمدة 70 ساعة.
وفي أوروبا كثير من الأنظمة التعليمية تطبق ذلك؛ ففي هولندا تبلغ غرامة الغياب غير المصرح به إلى 100 يورو عن اليوم الواحد، ويحق للمحكمة فرض غرامة تصل إلى 3700 يورو على الأُسر المتساهلة مع تكرار غياب بعض أفرادها، وفي السويد تبلغ الغرامة 1000 كرونة سويدية يوميًّا عن الغياب المتكرر عن المدرسة ولو كان بعُذر، أي ما يعُادل 347 ريالًا، وفي فرنسا الغياب المتعمد دون إشعار المدرسة، ودون أن تكون هناك ظروف مقدرة تدفع مقابله أسرة الطالب غرامة مالية 750 يورو، وفي ألمانيا هناك أيضًا غرامات مماثلة، ومصر أيضًا بدأت تفرض 10 جنيهات عن كل 10 أيام غياب، وبالتالي الغرامات المالية أصبحت أنفع الأساليب الجيدة لمكافحة الغياب؛ لكونها تحد من تكراره، وتحقق مصادر دخل ناشئة لدعم بعض الأنشطة المدرسية، ففي بريطانيا لم تنخفض نسبة الغياب في المدارس العامة إلى 78% إلا بعد فرض نظام الغرامات على المتغيبين بدون عُذر.

لذلك “فَرط السكوتِ على فَرطِ الأذى سقَمُ”، فمجانية التعليم لدينا من المهم ألا تكون مدخلًا للتراخي مع معدلات الغياب المرتفعة، فنظام الغرامات من الأفضل أن يكون مُتاحًا للدراسة لدى وزارة التعليم، وجاهز للتطبيق؛ مع تزايد نسبة الغياب أيام الخميس، وما قبل الإجازات المطولة، وفي رمضان.

ففي مدارس المنطقة الشرقية وصلت نسبة الغياب في أول يوم من رمضان في 2023 إلى 70 %، وما خفي في إدارات تعليم المناطق الأخرى قد يكون أكبر من هذه النسبة بكثير.

ومسؤولية مديري ومديرات المدارس مع إطلاق مشروع التمكين المدرسي يجب أن تكون مضاعفة؛ لكون تجميل إحصائيات الحضور بأرقام ليست ذات صلة بالواقع الفعلي داخل الفصول لتأكيد ارتفاع نسبة الانضباط المدرسي سيكون ضحيتها طلابًا وطالبات ليس لديهم إدراك حقيقي بمخاطر الغياب، وانعكاساته السلبية على تحصيلهم، وسلوكهم، وواقعهم، ومستقبلهم .

فبعض المعلمات والمعلمين لديه فرط مُتعمد في تجاهل حالات الغياب داخل الصف دون سؤال الطالب أو الطالبة عن أسباب الغياب، أو إحالة كل حالة غياب إلى الإرشاد المختص، أو الإدارة للتأكد من مصداقية المبررات المقدمة، ولضمان عدم تكرارها.

والممكنات الحلولية المتاحة في مدارسنا التي تبدأ من الإدارة المدرسية، والمعلم والمعلمة؛ خصوصًا مع الحالات التي تكون فيها الأسرة متساهلة، أو من المحتمل أن تكون مُحرضة على الغياب، مازالت ضعيفة الأثر، ولم يُحسن استخدامها.

لذلك إذا ما واصلت نسبة الغياب في الارتفاع في 2024؛ فإن الغرامات المالية هي الحل (المختصر)، لأنه لا يمكن أن تتوافر بيئة تعليمية نشطة ومحفزة ما لم تكن مهنية ودافعية الإدارة المدرسية والمعلمين والمعلمات مُعززة للحضور وداعمة له، ومكافحة للغياب.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. شكراً لك ا. سعد مقال بالغ الشفافية لرصد وتحليل هذه الظاهرة المؤسفة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى