في ظِلِّ التَّحدِّيات التي تُواجه المدارسَ اليومَ تزدادُ الحاجة إلى إدارة فعَّالة في السَّعي المُتواصل إلى تعزيز مفهوم جودة التَّعليم وتحقيق الأهداف التَّعليمية بكفاءة وفاعليَّة، إذ يُسهم التَّميُّز التَّشغيلي في تحقيق تطلُّعات وزارة التَّعليم وتحسين أداء الطُّلاب والعاملين فيها، ولتحقيق النَّجاح المُستدام لتلك المدارس، فإنَّ التَّميُّز التَّشغيلي له دور مُهِمٌّ في أن يكون الإطار الذي يدفع المدارس نحو التَّفوُّق والتَّحسين المُستمر، الذي يرتكز على مجموعة من المُمارسات القويَّة في التَّخطيط وإدارة الموارد البشريَّة والابتكار والتَّحسين المُستمر، وهو بذلك يعمل على تعزيز أداء المدارس، وتحقيق نتائج إيجابيَّة على مُستوى التَّعليم.
يتَّضح لنا بعد هذه المُقدِّمة أنَّ التَّميُّز التَّشغيلي مفهوم يتضمَّن تبنِّي الإجراءات الصَّحيحة التي تُسهم في ازدهار بيئة العمل وتحفيز العاملين وتمكينهم؛ بما يُسهم في استدامة الابتكار والتَّحسين المُستمر، ويُمكن للمدارس تحسين جودة التَّعليم من خلال التَّميُّز التَّشغيلي بوضع رُؤية واستراتيجيَّة واضحة لتحقيق أهدافها التي تتوافق مع حاجات المُتعلِّمين وتوجُّهات التَّعليم؛ ولأنَّ المُعلِّمين هم أحد العوامل التي تُؤثِّر في جودة التَّعليم، فإنه يجب أن تُولي المدارس اهتمامًا بتوفير فُرص التَّطوير المهني وتحسين مهاراتهم، كما ينبغي توفير الموارد التَّعليميَّة والتِّكنولوجيا؛ إضافة للاستراتيجيَّات المُناسبة من خلال تحديد حاجات المُتعلِّمين لتعزيز تجربتهم التَّعليميَّة.
وعلى هذا الأساس ينبغي على المدارس التزام تحقيق الجودة ومعايير الأداء من خلال التَّقييم المُستمر لعمليَّة التَّعليم والاستفادة من تلك البيانات لتحديد نقاط القُوَّة والضَّعف واتِّخاذ إجراءات التَّحسين للأداء، ولابُدَّ أيضًا لتحقيق التَّميُّز التَّشغيلي أن تكون المدارس مُنفتحةً على الابتكار والتَّحسين المُستمر، وذلك بتشجيع مُعلميها على اقتراح أفكار جديدة وتحسين أساليب تعليم مُبتكرة، وذلك من خلال تنظيم ورش عمل وتبادل الأفكار وتطوير البرامج التَّعليمية، كما أن بناء الشَّراكات المُجتمعيَّة يُمكن أن تُسهم في تحسين جودة التَّعليم من خلال بناء شراكات مع أولياء الأمور والمُجتمع المحلِّي؛ وذلك بالتَّشجيع على المُشاركة الفعَّالة وتوفير فُرص التَّواصُل والتَّعاون، ومن المهم أيضًا أن تُراعي المدارس تحقيق التَّوازن بين الكفاءة التَّشغيلية والتَّأثير التَّعليمي من خلال فعاليَّة التَّخطيط والإدارة، وفي الوقت ذاته تحقيق نتائج ملموسة لتحسين جودة التَّعليم وتحقيق أهداف الطُّلاب، وذلك من خلال تبنِّي مبادئ التَّميُّز التَّشغيلي من خلال قياس رضا المُعلِّمين والمُتعلِّمين، ثم تأطير البيانات ليتمَّ في ضوئها اتِّخاذ القرار المُناسب للتَّحسين والتَّطوير مع ضرورة التَّواصُل الفعَّال مع أولياء الأمور والمُجتمع المحلِّي وتحقيق الابتكار المُستدام في العمليَّات.
ومن الجدير بالذِّكر أنَّ المركز الوطني للتَّقويم والتَّميُّز المدرسي (تميُّز) له دورٌ فاعلٌ في ذلك من خلال بناء الأُطُر والمعايير والأدوات المُنظمة لعمليَّات التَّقويم والاعتماد المدرسي، والتي من خلاله يُمكن للمدارس بناءً على نتائج التَّقويم البدء في مراحل عملية التَّميُّز التَّشغيلي ابتداءً من تحديد حاجات المدرسة، مُرورًا بالتَّخطيط والتَّنفيذ والتَّقويم للبرامج والمُبادرات لتنتهي بالتَّطوير والاستدامة؛ وبذلك يُسهم التَّميُّز التَّشغيلي في تحسين الأداء المُستدام والإنتاجيَّة والفاعليَّة التَّشغيليَّة في المدارس.
والسُّؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن أن تُحقِّق المدارسُ اليومَ التَّميُّز التَّشغيلي؟
– باحثة دكتوراة في الإدارة التربوية