تمر بنا مواقف صعبة وقاسية، ومن هول الصدمة التي لم نكن نتوقعها نتجاوز التعبير بالحزن أو النقد إلى الضحك، وإن كان بمرارة على هذه المواقف التي لم تكن تخطر على بالنا. فأحيانًا يُخيب ظنك في أمانة أعز الناس إليك، وحين تكتشف ذلك ربما تضرب كفًّا بكف، وتضحك بحسرة يخالطها عجب وألم لخيبة ظنك في من ائتمنته ومن أعطيته الثقة، وقد نضحك أيضًا من مشاهد أو مواقف صغيرة، ولكنها في شكلها العام غير سعيدة؛ كأن تكون ذاهبًا إلى فرح وتلبس أجمل الملابس من رأسك إلى أخمص قدميك، وأنت في طريقك إلى سيارة زميلك الذي ينتظرك عند باب المنزل لكي يقلك معه إلى الحفل، تمر سيارة مسرعة جدًّا بدون أي ذوق أو احترام، ومع وجود بقعة ماء في وسط الشارع، تتناثر المياه الخليطة بالطين، وتكسو ملابسك بلوحة سريالية من صنع الصدف وفعل متهور لا يحسن التصرف ولا يبالي بالذوق العام وسلامة الآخرين؛ فتضحك على هذا الموقف أنت وزملاؤك وطبعًا العرس راح في الباي باي. كثيرة هي تلك المواقف المضحكة المبكية من السياسة إلى المثل الذي أوردناه، وعن السياسة فإني لأضحك من حجم الجهل المغلف بالحقد والحسد لهؤلاء الفئة من الناس الذين لا يفرقون بين الألف وكوز الذرة. ففي وسائل التواصل يظهر منهم من يدعو إلى عدم الحج والعمرة، وهذا المبكي. ولحرمان المملكة من قيمة التأشيرة، وهذا المضحك عن أية قيمة يتكلمون. صحيح الذي ابتلى بفقر الفهم قبل فقر ذات اليد هؤلاء وأشكالهم ليس غريبًا عليهم هذا التفكير الهزيل. إن تأشيرات الحج والعمرة لو فرضًا دخلت خزينة الدولة لمدة عقود من الزمن. لن تبلغ 10/100 من 400 مليار ريال وربما تزيد صرفت فقط على توسعة الحرم المكي (وأنا هنا يعتبر قد بالغت في النسبة). هذا غير المسجد النبوي وغير مشاريع مشاعر الحج وتكاليف الصيانة السنوية، وما يصرف على خطط الحج وكذلك مئات الألوف من العاملين ورواتبهم ومخصصاتهم الذين يعملون في تلك المناسبة. أضف إلى ذلك الخدمات الإضافية مثل مشاريع السكك الحديدية سواء بين المدينة وجدة ومكة أو داخل المشاعر، وأتمنى على الجهات المختصة أن تنشر كل ما أنفق علي مواسم الحج والعمرة وأشغالها. نعم نعلم أن قادة المملكة يقومون بذلك مرضاة لله ويعتبرونه واجبًا عليهم ولا ينتظرون الشكر والمديح من أي كائن من كان. ولكن النشر والتوضيح حتى قد تخجل تلك العيون الفارغة التي لا يملأها إلا التراب أو قد تعي إذا شعرت بمرود الحقيقة المؤلم لها يطرف عينها لعلها حينها قد ترفع الراية البيضاء، وربما تستمر تكابر يدفعها ذلك حقدها وحسدها، وحينها نقول إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم. وتندرًا بالحساد لعلنا نعرج من هذا إلى بعض التسلية قليلًا وأيضًا قد تكون بها عبرة لمن يملأ قلبه الحسد والحقد…يحكى أن المعتصم قرب إليه بدوي من العرب وأصبح نديمه يدخل عليه من غير استئذان، فغار وزيره من الـبـدوي وحسده وأضمر له مكيدة. فتلطف بالبدوي ودعاه لمنزله “وأكثر من الثوم في الطعام ثم قال للبدوي احذر أن تقرب من أمير المؤمنين؛ فيشم منك رائحة الثوم فإنه لا يطيق رائحته، وذهب الوزير إلى أمير المؤمنين وقال: إن البدوي يقول إنك أبخر وآذيته برائحتك، ودخل البدوي على أمير المؤمنين وجعل كمه على فمه مخافة أن يشم رائحته؛ فلما رآه المعتصم ترجح عنده كلام الوزير؛ فكتب إلى أحد عماله: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله وقال للبدوي: امضِ بكتابي إلى فلان، وأئتني بالجواب، فامتثل البدوي.. فقال الوزير في نفسه: إن البدوي سيحصل له من هذه المهمة مالًا جزيلًا. فقال له ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب، ويعطيك ألف دينار؟ فرد: أنت الحاكم، وما رأيته من الرأي افعل، وسار الوزير بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده؛ فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير، وتذكر الخليفة أمر البدوي، وسأل عن الوزير فأُخبر بأنه له أيام ما ظهر وأن البدوي بالمدينة مقيم.!! فتعجب من ذلك وأمر بإحضاره؛ فسأله عن حاله فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها. فتعجب الأمير وضحك (شر البلية ما يضحك) .ثم قال البدوي مقولته ..الحسد ما أعدله- بدأ بصاحبه فقتله، واتخذ الأمير البدوي وزيرًا. فهل يتعظ من لا هم لهم إلا حسد هذه البلاد التي عمَّ خيرها القاصي والداني وإلا يحتاجون إلى كتاب يطمعون في ريعه ..
0