تتّجه المملكة العربيّة السعوديّة وقيادتها الحكيمة نحو أهداف استراتيجيّة كبرى على المستويين المحليّ والعالميّ، وباتت تحجز لنفسها مكانًا مهمًّا على المنصّات الدوليّة، كما أعادت صياغة العلاقات في المحيط العربيّ والخليجيّ، ورتّبت الأوراق السياسيّة والاقتصاديّة في المنطقة العربيّة، من خلال القمم الثلاث التي عقدت في العاصمة الرياض خلال العام (2023) والتي أبهرت العالم؛ ففرضت معطيات استراتيجيّة في المشهد السياسيّ والاقتصاديّ العالميّ بامتياز، ولعلّ فوز المملكة العربيّة السعوديّة المستحقّ باستضافة المعرض الدوليّ إكسبو(2030) من أبرز الأحداث خلال الفترة الماضيّة، وستكون هذه الاستضافة هي الثانية في الشرق الأوسط بعد استضافة دبي لمعرض إكسبو (2020) الذي تأخر مدّة عامين بسبب وباء كوفيد، ومن المعلوم أنّ المعرض يقام كلّ خمس سنوات،
هذا الفوز بالتصويت يعدُّ مؤشّرًا على تميّز المملكة العربيّة السعوديّة، وبزوغ نجمها بشكل واضح للعيان، وقد أوضحت الحكومة السعوديّة أنّها تخطّط لإنفاق (7.8) مليار دولار لتنظيم المعرض ولنيل تصويت الدول الأعضاء، بالإضافة لتقديمها عنوانًا جاذبًا ومتلائمًا مع توجّهها الواضح في إحداث تغيير شامل على كافّة الأصعدة: وكان عنوانه عصر التغيير: معًا من أجل غدٍ مستنير
ولمعرض (إكسبو) تاريخ عريق يمتد لأكثر من 200 عام؛ إذ يعود تاريخه إلى المعرض الكبير عام (1851) في لندن، والمعرض العالميّ عام (1889) في باريس الذي شهد بناء برج إيفل، ويمثّل حدثًا استعراضيًّا لعرض أشهر الاختراعات والابتكارات، ويجذب ملايين الزوّار، ويهدف إلى الاستجابة للتحدّيات العالميّة.
وبحسب وكالة “فرانس برس”. فإنّ المعرض سيستمرّ لأكثر من ثلاثة أسابيع، وهو ذو طبيعة غير تجاريّة مباشرة، بل سيكون وسيلة لنشر التوجّهات الثقافيّة والاجتماعيّة للمملكة، وسوف يكون هناك منصّة لعرض الاختراعات والابتكارات والتقنيّات الجديدة التي أنتجتها المملكة العربيّة السعوديّة.
فوجوده سيشكّل أهميّة كبيرة كدعاية لما تقدّمه المملكة للعالم من ثقافة وفكر، فمن المعروف أنّ هذه المعارض فرصة للاحتفال بالأحداث التاريخيّة الكبرى، فهو سيوثّق الصورة العامّة للبلد المضيف والمكانة الوطنيّة والعالميّة. وعلى مستوى أكثر عمليّة.
ومن المتوقّع أن تحقّق استضافة المعرض فوائدَ اقتصاديّة ضخمة، خاصّة في خلق فرص العمل وتعزيز السياحة حيث تطمح المملكة العربيّة السعوديّة لتكون الوجهة العالميّة الأكثر رواجاً للأسر والباحثين عن التاريخ، والثقافة، ومتعة الزّمان، والمكان.
ولكي تحقّق المملكة العربية السعوديّة هذا الفوز، عملت بشكل استراتيجيّ منظم، فقامت بحملة تسويقية كبيرة تضمنت معرض “الرياض (2030) بالقرب من برج إيفل، وبثّت إعلانات واسعة النطاق في جميع أنحاء باريس وقد حظي المعرض السعودي -الذي يسعى إلى تنويع اقتصاد المملكة وتعزيز مكانتها الدوليّة- بدعم رسميّ من الرئيس الفرنسيّ.
لا شك أن استضافة المعرض من شأنه أن يعزّز مساعي ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، لتنويع اقتصاد المملكة، فلا يعتمد على النفط، بل يسعى إلى جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي. وقد صرّح الرئيس التنفيذي للهيئة الملكيّة لمدينة الرياض (فهد الرشيد) بقوله: “إنّ خطّة معرض المملكة تتضمّن تحويل الرّياض إلى معرض فنيّ مفتوح بلا جدران”. وهذه خطّة استراتيجيّة لاشكّ أنه سبقها خطط تنفيذيّة للوصول إليها. تأمل المملكة أن يستقطب المعرض (40) مليون زائر إلى عاصمتها الرياض وباقي مناطق المملكة، وقد عملت وزارة السياحة في السنوات الخمس الماضية على إيجاد نقاط جذب سياحيّة جديدة في العلا ومشروع البحر الأحمر والقديّة. كما يُعدّ تاريخ 2030)) تاريخًا رمزيًا إلى حدّ كبير؛ لأنّه يتزامن مع تاريخ برنامج رؤية المملكة لتعزيز صورتها اقتصاديًّا وثقافيًّا بالمقام الأوّل.
وقد أشار ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في بيان إلى المعرض باعتباره فرصة للتوسّع في الخططّ التنمويّة. فقال في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية: “أصبحت المملكة العربيّة السعوديّة وجهة مثاليّة لاستضافة الأحداث الدوليّة الكبرى، بما في ذلك معرض (إكسبو) العالمي الموقر”. ومن المشاريع التي تنفّذ استعدادا لهذا الحدث العالميّ مشروع شبكة النقل العام الذي سيغطّي جميع الأحياء، ومساحة مستديرة ضخمة فيها حدائق عامّة، ومرافق ألعاب إلكترونيّة، ومنصّات للعروض واسعة النطاق، وأماكن رياضيّة، ويتضمّن المشروع التركيز على “تسريع الابتكارات” للحفاظ على النظم البيئيّة الطبيعيّة، وفقا لـ”أسوشيتد برس”.
وترى شبكات الإعلام العالميّ أنّ استضافة المعرض تحظى بأهمية كبيرة، حيث يسعى ولي عهدها لتنظيم أهمّ الأحداث في العالم، وجذب الأنظار بإيجابية عالية لوضع المملكة على الخريطة العالميّة، ولإثبات سيرها في اتجاه أكثر تقدميّة اجتماعيًّا، فضلا عن احتضانها لقطاعات متطوّرة مثل التكنولوجيا الخضراء والرعاية الصحية المجانيّة لكلّ المواطنين والمقيمين.
ويؤكد محلّلون أنّ المملكة لم تكن حديثة عهد بعقد تحالفات كبرى، ولكن الجديد هذه المرّة أنّها تربط الدول الخليجيّة والعربيّة بالقوّة الاقتصاديّة العالميّة الأكبر (الصين)، بشراكة كبيرة بدأت تغيّر مجريات المشهد سياسيًّا واقتصاديًّا وتنمويًّا وثقافيًّا، بعدما كانت قد وصلت منطقتها بالولايات المتحدة والغرب في مناسبات استثنائية سابقة. وهو ما يرسل رسائل واضحة للقوى العالميّة هي أنّ المملكة منفتحة على الغرب والشرق، ولا يستأثر بها فريق على حساب آخر، وهي حريصة على تعزيز علاقاتها مع الغرب، ولكن ليس على حساب سيادتها واستقلاليّة قرارها.
إنّ الخطوات، بل والقفزات التي خطتها المملكة العربيّة السعوديّة في السبع سنوات الماضية، تعزّز من دورها الحضاريّ، وتغيّر الصورة النمطيّة التي استمرّت عقودًا من الزمن، وقد صبغتها رؤية سلبيّة لجماعات لها ثقل سياسيّ وأهداف عنصريّة ضدّ العرب والمسلمين بشكل عامّ، وضدّ المملكة العربية السعودية بشكل خاصّ. لكنّ الصورة القاتمة تتفتّت شيئا فشيئا بفضل الله وتوفيقه، ثمّ برؤية ثاقبة ونظرة مستقبليّة استشرافيّة لحكومة المملكة، تتطلّع لغد أفضل للوطن والمنطقة بأسرها.
0