في أحد الأيام، عزم أحد أقاربي الغاليين جدًا على قلبي، على إجراء عملية جراحية، وكان موعد العملية بعد عدة أيام، ومن يومها وهو يوصيني ويوصي جميع أفراد أسرته بأن نسامحه إذا مات في العملية، وكان يكرر التوصية علينا ليل نهار؛ لأنه كان متخوفًا جدًا من العملية، وكان يوصينا على أولاده بعد وفاته، وكذلك كان يوصي أبناءه على الصلاة، وكأنه كان يحتضر، وكان يوصي والدته فيحرق قلبها بكلامه، حتى جعلنا جميعًا نشعر بالقلق والخوف عليه، حتى أصبح ينتابني إحساس بأنه فعلًا سوف يموت.
كان يُبالغ في وصاياه لنا في كل حين ومكان، حتى أحسست بالملل منه، وكنت أطلب منه بأن لا يذكر لنا ذلك مرة أخرى حتى لا يدخل الخوف والحزن في قلب والدته وأبنائه، وحتى لا يلعب في نفسياتهم ويعرضهم للضغوطات النفسية التي قد ينتج عنها الأمراض العضوية، ولكن كأنك تنفخ في قِربة مخرومة.
وكنت أوصيه بأن يتوكل على الله، وأن الله يحب المتوكلين، قال الله تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) (سورة آل عمران: 159).
يؤكد علماء النفس أن (٩٠%) من الأفكار السلبية التي نفكر فيها لا تقع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “فألك من فيك” أي واقعك مقسوم على توقعك، وحالك هو نتيجة خيالك، فكلما توقع الإنسان الأسوأ انجذب إليه، وكلما توقع الطيب والخير انجذب إليه. قال الله تعالى في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي بي ما شاء”.
وقد جاء في السنة الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما روى البخاري في الصحيح من حديث عبدالله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: “أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أعرابيًا أصابته حُمَّى، والنبي صلى الله عليه وسلم زاره، أي عاده في مرضه، وكان عليه الصلاة والسلام من عادته أنه إذا زار مريضًا يقول لا بأس طهور -إن شاء الله-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي لا بأس طهور إن شاء الله، ولكن الأعرابي لم يقل آمين بل قال لا بل حُمَّى تفور على شيخ كبير تزيره القبور، فقال صلى الله عليه وسلم : فنعم إذن، “فجاء في بعض الروايات في غير البخاري أنه مات في اليوم التالي”، وهذا يعني أن البلاء موكل بالمنطق.
* مستشار اجتماعي