كثيرة هي المواقف التي يمرُّ بها الواحد منَّا في مسيرته الحياتية، مواقف تتطلب أسلوبًا للتعامل معها؛ من المواقف التي مررت بها أثناء البعثة:
كنت في أحد الأيام عائدًا بمركبتي إلى مقر سكني من مؤتمر، بعد مغادرتي مكان المؤتمر وأنا في الطريق حدث احتكاك بسيط بشخص، كان أمامي يركب دراجة هوائية، ولشدة بساطة الاحتكاك لم أشعر به، نظرت إلى المرآة؛ فوجدت أن الأمر طبيعي، واصلت رحلتي للمنزل.
بعد فترة تلقيت اتصالًا هاتفيًا من شرطة المرور برغبتهم لزيارتي في المنزل، زارني مسؤول من المرور وكان في منتهى اللطف، وذكر لي أن ما حدث لصاحب الدراجة كان يمكن تفاديه، وبعدها غادر منزلي بعد أن أعطاني درسًا في طريقة القيادة على الطرقات، كان ذلك موقفًا توجيهيًا تلقيته من ذلك الشرطي، علمًا بأنه رفض إعطائي مخالفة، بحجة أنه لم يُشاهد الموقف، وإنما تلقى مكالمة من شخص شاهد الموقف.
ومن المواقف، لم أكن أعلم أن نفايات المنزل تجمعها عربات البلدية من أمام المنزل يومًا واحدًا مُحددًا في الأسبوع، وعلى كل صاحب منزل أن يضع نفاياته في مكان ووقت محدد، وعند مرور عربة النفايات يلتقط عامل النظافة الحاويات التي في مكانها الصحيح، وإن لم يضع صاحب المنزل نفاياته في المكان والوقت المحدد؛ عليه الانتظار أسبوعًا لكي تمر العربة لأخذ النفايات مرة أخرى، أو عليه أن يذهب بحاويته إلى مكان تجميع النفايات خارج المدينة.
لم أكن على علم بذلك، وكنت أضع الحاوية في غير يومها ومكانها، سبب لي بعض المشاكل من امتلاء الحاوية والروائح الكريهة، فما كان من الجيران إلا أن بينوا لي أين ومتى أضع الحاوية.
ومن المواقف؛ يوم مغادرتي مكان الدراسة بعد أن حققت الهدف -ولله الحمد- أصرت مشرفتي البروفيسورة “سيلفيا” على أن تأخذني وأسرتي بسيارتها الخاصة إلى محطة القطار لتوديعنا، تجاذبنا أطراف الحديث ونحن في الطريق إلى المحطة، وعند اقتراب موعد تحرك القطار، صعدت معنا إلى عربة القطار، واستمررنا في الحديث، ولما صفر القطار إيذانًا بالتحرك، دمعت عيناها، فقلت لها: لماذا تبكين سيلفيا؟ فأنا ذاهب إلى بلدي أحمل ما تعلمته منكِ، وأفخر بحمل اسمك على شهادتي، قالت: “إن ما علمته منك عن بلدك جميل ورائع للغاية”، وكنت وقتها الطالب الأخير على ما أعتقد التي أشرفت على دراسته هذه السيدة الفاضلة لأنها تقدمت بعدها بطلب التقاعد من العمل الأكاديمي لبلوغها الثمانين من العمر؛ ورغبة منها للتفرغ للأعمال الخيرية والتطوعية.
ومن المواقف الطريفة موقفان الأول: أذكر أنه كان يُخصص للطالب المبتعث صحيفة سعودية، اخترت صحيفة الندوة المكية، وكتبت عنواني وتم إرساله للصحيفة، وكنت حينها في منطقة تُسمى “ديفيد”، وكان المسؤول عن البريد الخارجي أحد المصريين، والذي ظن أن المقصود به منتجع “كامب ديفيد” في أمريكا؛ لأن وقتها كان الاسم يتردد كثيرًا في نشرات الأخبار بسبب اتفاقية الصلح بين مصر ودولة الاحتلال، من أجل ذلك كانت الصحيفة تصلني متأخرة عن طريق أمريكا.
الثاني: كان لي صديق ماليزي اسمه “سحر” ، هذا الاسم يُطلق في ماليزيا على الذكر والأنثى، وكان يُشاركني في غرفة الدراسة، وكنت إذا اتصل بي بعض من الزملاء السعوديين يطلبون مني المجيء لمقهى الجامعة لشرب الشاهي، كنت أتعمد أن أقول لهم إنني مشغول مع “سحر”، فرابهم الأمر وظنوا بي الظنون، لدرجة أن أحدهم بالغ في ظنه وقاده الفضول أن يمشي على أطراف أصابع قدميه، ويفتح باب الغرفة عنوةً باحثاً عن زميلتي “سحر” ، فإذا به يفاجأ بطالب ماليزي قصير القامة وملتحٍ لتكون المفاجأة عندما أعلمته أن هذا هو “سحر”، وأصبحت بعدها طُرفة يتبادلها الزملاء بين الفينة والأخرى.
0