هذا السؤال السهل له إجابة قد تُذهلك وقد تُغير من نظرتك وتعاملك مع كتاب الله تعالى .. القرآن العظيم..بل وقد تغيّر حياتك..؟!
بعملية حسابية بسيطة يتضح أن المسلم يقرأ سورة (الفاتحة) ١٧ مرة كل يوم في الصلوات المفروضة، وقد تزيد فتصبح ٢٩ مرة مع السنن الرواتب، وقد تصل إلى نحو ٤٠ مرة لمن يصلي الضحى والوتر وبعض النوافل، والمتوسط هو ٣٠ مرة في اليوم، وهو ما يُساوي (٩٠٠ مرة في الشهر) ويُساوي (أكثر من ١٠ آلاف مرة في السنة) مما يعني أن من بلغ الأربعين من عمره؛ فقد قرأ الفاتحة (أكثر من ٤٠٠ ألف مرة) وقد تكون (٥٠٠ ألف مرة) = نصف مليون مرة…
تخيَّل .. معي… سورة من القرآن … قرأتها من المصحف… وتلوتها من حفظك…. وسمعتها من إمام مسجدك أو في أي مكان أكثر من (٥٠٠ ألف مرة) ثم تذهب للصلاة القادمة وتُنصت وتستمتع بقراءتها أو سماعها من إمام المسجد؛ وكأنك تسمعها عذبة غضة لأول مرة….
أليس هذا أمر معجزًا، ويستحيل أن يحدث مع أي قطعة شِعر، أو نثر، أو مقال، أو كتاب أو غيره…!
ألا يدفعك هذا الإعجاز، وهذا الإبهار للاستمتاع أكثر بتلاوة القرآن وتدبر آياته وتعظيمه، وعلى الإكثار من حمد الله وشكره أن مكّنك من تلاوة القرآن، وهداك للإسلام، وهناك مظاهر إعجاز لا تنتهي لكتاب الله العظيم، وإليك بعضها:
*كل ما يُحيط بالقرآن يوحي بالجد والخصوصية، ابتداء باسمه (قرآن) وهو ما لم تعرفه العرب قبل، ثم اسم مقدمته (الفاتحة) والتي لم يُشاركه كتاب آخر فيها، ومرورًا باللفظ (سورة) والمشتق من الجدار، وفيه إشارة سماوية لعلوه، وحماية مبكرة وحصانة للقرآن وسوره وامتناعها عن التقليد، ثم اللفظ (آية) الذي يعني معجزة وكأنها إشارة تعجيزية مبكرة لآياته، ثم لفظ (يتلو) أو (تلاوة) وهو خاص بالقرآن، بل حتى أسلوب كتابته وقراءته ذات طابع خاص؛ حيث يُشترط سماعه من قارئ..
*رغم تفرده ودقة معانيه العربية، فهناك الملايين ممن يحفظونه غيبًا من الغلاف للغلاف، بالمدود والسكتات، والقلقلة، وغيرها من أدوات التجويد، والعجيب أن النسبة الأكبر ممن يحفظونه هم من غير العرب، لأن العرب لا يمثلون إلا نحو 20% من مسلمي العالم، وقد لا يعرف قراءة أو فهم أي نص عربي آخر، رغم أن الحروف هي نفس الحروف العربية. *نصوص القرآن (سوره، آياته، حروفه) موثقة توثيقًا لا نظير له بين الكتب على وجه الأرض، فنصوصه يتلوها أئمة المساجد كل يوم ثلاث مرات جهرًا أمام المسلمين في صلوات المغرب، العشاء، الفجر، ولو حدث خطأ لردوا عليه؛ بالإضافة لملايين القُراء والحفاظ الذين يتلونه في الإذاعات ووسائل الإعلام الأخرى، وفي حلقات التحفيظ المنتشرة في جميع أنحاء العالم، كما أن مئات الآلاف من الحفاظ من أئمة المساجد يتلونه جهرًا من الفاتحة للناس خلال صلاة التراويح (١) في رمضان على مسمع من الحفاظ الذين خلفهم في كل عام منذ أكثر من ١٤٠٠ عام، فلا مجال ألبتة للخطأ. * ليس من الضروري أن يكون الإنسان مسلمًا لكي يشعر بهذه القوة الخارقة للقرآن، ذلك أن الكثير ممن دخلوا الإسلام، ودرسوه اختاروا الإسلام بعد سماع القرآن وتلاوته، ومنهم عالم اللغة العربية البريطاني، (أرثر جيه أربري)، والذي قال: “القرآن ساندني في فترة عصيبة في حياتي”، وقال: “إن استماعي للقرآن وهو يرتل بالعربية (٢)كاستماعي لنبضات قلبي”، وهذا (فريدريك ديني) كاتب غير مسلم قال: “إن تجربة تلاوة القرآن بالعربية تجربة رائعة مقلقة”، وقال: “لقد شعرت أن القرآن هو الذي يقرأني” * أطول مسابقة للتحدي علنية لجميع البشر، بل والجن أيضًا، هي تحدي الإتيان بمثل هذا القرآن، وليس كله، بل بسورة واحدة مثله، قال تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: 88)
وهكذا ضحك آباؤنا في الماضي، ونضحك اليوم، ساخرين ومشفقين، لتلك المحاولات الساذجة والمستمرة لأناس يريدون أن ينالوا من القرآن ومن الإسلام، فيحاولوا وضع هياكل لغوية مشوهةٍ يدّعون أنها سور قرآنية، فمهما حاول المزورون أن يُدخلوا في القرآن ما ليس منه، أو يضعوا ما يدعون أنه سورة، فسوف تفضحهم خصوصية القرآن اللفظية والتركيبية، وسبائكه المميزة، تمامًا كما تفضح اليوم اختبارات الـDNA في مخابر الأطباء من يحاول نسبة ولد إلى غير أبيه، أو فعل إلى غير فاعلة، فجسم لغة القرآن سيرفض أي دم لغوي جديد نحاول أن نحقنه فيه، ومازال هذا التحدي الإلهي للعرب وغيرهم وحتى الجن بأن يأتوا (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(البقرة: 23) قائمًا منذ أكثر من ١٤٠٠ عام، كما نزل للتو، رغم توالي العبقريات ومرور الأزمان.
الحمد لله بالقرآن…
—————-
1.يوجد نحو 4 ملايين مسجد حول العالم (مركز تطوير الاقتصاد الإسلامي في دبي).
2-مختصر كتاب المعجزة، حول لغة القرآن الكريم.. إعجاز أم مجرد عبقرية..من تأليف/ أحمد بسام ساعي، من إصدار المعهد العالمي للفكر الإسلامي بجامعة إكسفورد.. بريطانيا..
* باحث في تاريخ وتعظيم الحرم