اتصل بي هاتفيًا أحد الأصدقاء، ورغم ارتفاع حالة الضجيج التي كنت أسمعها حوله إلا أن نبرة صوته كانت مفعمةً بالحيوية وتشع بالفرح. وقبل أن أسأله عن سبب هذه الفرحة، بادرني قائلًا: عندي أخبار سارة!! ما دريت؟ القطوة رحلت!! فقلت باستغراب! أي قطوة تلك التي رحلت؟ وما هو سر السعادة التي تظهر في نبرة صوتك قبل كلماتك. وقلت له متعجبًا: إن الشيء الذي نعرفه هو أن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ويحب تربية الحيوانات الأليفة، ولو رحلت عنه قطوة أو مات عنده عصفور لحزن عليه أشد الحزن؛ فقال لي على رسلك يا صديقي؛ هي لم تكن مجرد قطة عادية؛ فبعد أن أحضرها المدير من فناء المؤسسة (قطة مغمضة) وقربٌها من مكتبه، وبسبب تمكينه وتدليله الزائد لها، انتفخت وتوحشت حتى أصبحت (عري). لم يسلم أحد من خربشتها حتى المدير العام نفسه ناله نصيبه من الخربشة. بل أصبحت حية رقطاء تلدغ من تجده في طريقها، وكل من تعتقد أنه يُشكل خطرًا عليها أو يحاول أن يقترب من مكتب المدير.
فقلت له مهما يكن الأمر فالموضوع لا يستحق منكم كل هذه البهجة، وكان يكفيك أن تردد في رحيل القطوة ما قاله أبو عمرو في رحيل أم عمرو: (إذا ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار).. ورغم أنني حريص كل الحرص على ألا أكدر عليك لحظة الفرح التي تعيشها أنت وزملاؤك؛ لكن يؤسفني يا صديقي العزيز أن أخبرك: أنه طالما مديرك من محبي وعشاق تربية القطط؛ فتاكد أنه إذا كانت قد رحلت عنكم قطوة واحدة فستأتيكم بدلًا عنها ألف قطوة. وأكثر ما أخشاه عليكم أن تكون القطوة القادمة أشد شراسة، وأكثر خربشة وأخطر لدغًا. وفي الختام تأكد عزيزي أن المشكلة من الأساس لم تكن في القطوة نفسها؛ بل فيمن أتى بها ودللها ومكنها، وفيكم أنتم عندما استسلمتم لخربشتها، وارتعشت أيديكم عن الإمساك بها، وتقليم مخالبها والوقوف في وجهها.
لدغة ختام:
الموظف الذي يحتفل برحيل قطوة هو شخصية نمطية وكائن هلامي، مسلوب الإرادة في مواجهة مديره، ولا يملك أدنى قدرة علي التفكير فما بالك بالتصرف، أما ردة فعله إن حدثت؛ فلن تتجاوز أن يرفع يديه بالدعاء سرًّا على من ظلمه.