بات الصيام المُتقطع نهجًا غذائيًا واعدًا لتحسين الصحة، وقد اكتسب شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة كأسلوب حياة صحي وطريقة فعالة لإنقاص الوزن، بل لإعادة فسيولوجيا الجسم لوضعها الطبيعي في كثير من الأحيان لدرجة تمكن البعض من التخفف من الأدوية التي استخدموها لزمن طويل -بإشراف طبي بطبيعة الحال- لمعالجة بعض المشاكل المزمنة.
يتضمن الصيام المتقطع دورات من تقييد الطعام تليها فترات من تناول الطعام بحرية، وقد أظهرت الأبحاث فوائد صحية متعددة لهذا النهج الغذائي.
في كتابه “الدليل الكامل للصيام”، يشرح الدكتور جيسون فونج أن “الصيام المتقطع يمكن أن يُساعد في تحسين استجابة الخلايا للأنسولين، وخفض مستويات السكر في الدم، وتعزيز فقدان الدهون، وتقليل الالتهاب في الجسم”، كما يذكر فونج أن “الصيام لفترات قصيرة يمكن أن يحفز عملية تُسمى الالتهام الذاتي؛ حيث يقوم الجسم بتكسير وإعادة تدوير المكونات الخلوية التالفة.”
ووفقًا لمقال نُشر في مجلة New England Journal of Medicine بعنوان: “آثار الصيام المتقطع على الصحة ومرض السكري من النوع 2 والشيخوخة”، فإن “الصيام المتقطع يمكن أن يؤدي إلى تحسن واضح في مؤشرات الأيض (التمثيل الغذائي) مثل استجابة الخلايا للأنسولين والتحكم في نسبة السكر في الدم.” كما أشار المقال إلى أن “الصيام المتقطع قد يوفر فوائد وقائية ضد أمراض مثل السرطان والزهايمر والسكتة الدماغية.”
كما أن هناك العديد من الفوائد الأخرى للصيام المتقطع التي أظهرتها الدراسات والأبحاث، ومنها:
– تعزيز صحة الدماغ: يمكن للصيام المتقطع أن يحسن الوظيفة الإدراكية ويحمي من الأمراض العصبية التنكسية مثل: مرض الزهايمر وباركنسون. وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Nature Reviews Neuroscience، فإن “الصيام يُحفز العديد من الآليات التي تعزز صحة الدماغ، بما في ذلك تحسين الاستقلاب، وتقليل الالتهاب، وتعزيز المرونة العصبية.”
-تقليل الالتهاب المزمن: يرتبط الصيام المتقطع بانخفاض مستويات مؤشرات الالتهاب في الجسم. في مراجعة بحثية نُشرت في مجلة Nutrients، ذُكر أن “الصيام المتقطع يمكن أن يُقلل من الالتهاب عن طريق تثبيط إنتاج محفزات الالتهاب كالسيتوكينات وتعزيز إنتاج المركبات المضادة للالتهابات.”
-تحسين صحة القلب: قد يُساعد الصيام المتقطع في تقليل عوامل الخطر للإصابة بأمراض القلب، مثل: ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول واضطرابات الدهون. في دراسة نُشرت في مجلة Cell Metabolism، وجد الباحثون أن “الصيام المتقطع أدى إلى انخفاض كبير في ضغط الدم ومستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية لدى المشاركين.”
-زيادة طول العمر: تشير بعض الدراسات إلى أن الصيام المتقطع يمكن أن يطيل العمر ويؤخر ظهور الأمراض المرتبطة بالشيخوخة. في كتابه “Lifespan: Why We Age-and Why We Don’t Have To”، يُناقش الدكتور ديفيد سينكلير كيف يمكن للصيام المتقطع تنشيط مسارات الحماية الخلوية التي تُعزز طول العمر.
-تعزيز الصحة الهضمية: يمكن أن يُساعد الصيام المتقطع في تحسين الهضم وتعزيز صحة الأمعاء وتخفيف أعراض الكثير من المشاكل كارتجاع المريء، قُرحة المعدة، دهون الكبد، والقولون العصبي. في مقال نُشر في مجلة Gastroenterology، أشار الباحثون إلى أن “الصيام يمكن أن يُغير بيئة الأمعاء الدقيقة ويحسن وظيفة الأمعاء والحواجز المعوية المانعة لانتقال الميكروبات من الأمعاء للدورة الدموية”..
من المهم ملاحظة أن هذه الفوائد يمكن أن تختلف من شخص لآخر، وأن البحث في بعض هذه المجالات لا يزال مستمرًا. كما يجب دائمًا التحدث إلى أخصائي رعاية صحية قبل إجراء أي تغييرات كبيرة في النظام الغذائي أو نمط الحياة.
عزيزي القارئ والمهتم، يمكنك البدء بالصيام المتقطع بطريقة آمنة وفعالة عبر خطوات بسيطة يمكن تلخيصها فيما يلي:
١- اختر جدولًا مناسبًا: هناك العديد من أنماط الصيام المتقطع، مثل 16/8 (16 ساعة صيام، 8 ساعات تناول الطعام) أو 5:2 (5 أيام تناول طعام عادي، يومان من تقييد السعرات الحرارية). اختر ما يُناسب روتينك وأسلوب حياتك.
٢- ابدأ ببطء: لا تنتقل مباشرة إلى جدول صيام طويل. بدلًا من ذلك، ابدأ بنافذة صيام أقصر وزدها تدريجيًا. كما يقول الدكتور مارك ماتسون في كتابه “The Intermittent Fasting Revolution”، “ابدأ بفترة صيام 12 ساعة، ثم زدها تدريجيًا إلى 14 إلى 16 ساعة.”
٣- حافظ على التروية الكافية: اشرب الكثير من الماء وغيره من المشروبات الخالية من السعرات الحرارية خلال فترة الصيام لتجنب الجفاف. وفقًا لمقال في Harvard Health Publishing، “يمكن أن يؤدي الجفاف إلى الصداع والدوخة وغيرها من الأعراض المزعجة.”
٤- ركز على التغذية خلال فترات تناول الطعام: تأكد من تناول وجبات مغذية ومتوازنة خلال نافذة تناول الطعام. في مقال نُشر في مجلة Nutrients، نصح الباحثون “بإعطاء الأولوية للأطعمة الكاملة والغنية بالمغذيات، مثل الخضار والفواكه والبروتينات الخالية من الدهون الضارة كالدجاج والسمك والمكسرات”.
٥- كُن متيقظًا لصوت جسمك الداخلي: راقب كيف يستجيب جسمك للصيام المتقطع. إذا شعرت بالدوخة، الضعف، أو أعراض أخرى غير مريحة، فقد يكون من الضروري تعديل جدولك أو التحدث إلى أخصائي.
٦- الاستمرارية هي سر الوصول لأهدافك: يستغرق الأمر بعض الوقت للتكيف مع الصيام المتقطع. كُن متسقًا والتزم بجدولك، ولكن لا تكن قاسيًا جدًا على نفسك إذا فاتك جدول الصيام مرة أو مرتين.
٧- استشر أخصائيًا: قبل البدء، من الأفضل التحدث إلى طبيبك أو أخصائي تغذية، خاصةً إذا كنت تُعاني من حالة صحية مزمنة أو تتناول أي أدوية. سوف يقدمون لك إرشادات مخصصة لاحتياجاتك.
ومع ذلك، فإن الصيام المتقطع بشكل ارتجالي ليس مناسبًا وقد يؤدي لاعتلالات غذائية يمكن تجنبها بسهولة باستشارة المختص. تحذر الدكتورة كريستين كيركباتريك في مقال لها على موقع Cleveland Clinic أنه “يجب على الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية معينة، مثل مرض السكري أو انخفاض ضغط الدم، استشارة طبيبهم قبل البدء في نظام الصيام المتقطع.” كما تؤكد على أهمية الحفاظ على نظام غذائي مغذٍّ وصحي خلال فترات تناول الطعام.