انتهى المنتدى السعودي للإعلام في نسخته الثالثة، ولا زال صداه يتردد في المجالس والملتقيات الإعلامية.
من جهتي لفت نظري الحضور المميز للمحاورين من الجنسين، والذين كانوا مدراء الجلسات، ولا غرابة أن يتألق المذيع في مجاله الذي تدرّب عليه وظل يمارسه صبح مساء.
أكثر ما لفت انتباهي جلسة “الإعلام العربي في مواجهة التحولات … رؤى وزارية لمعالم مستقبلية“، والتي أدارها الدكتور عبدالعزيز الخضيري، وزير الإعلام السابق، وهو الإداري المحنك والمخطط الأستراتيجي المتميز والكاتب الصحفي المبدع.
ليس من السهولة أن يوافق وزير ليكون محاورًا ويلعب دور المذيع في حضرت قادة الرأي العام على مستوى الشرق الأوسط. لو لم يكن لديه الثقة ويمتلك الأدوات والمهارات اللازمة لإدارة حوار في مناسبة بحجم المنتدى السعودي للإعلام.
بدأ الوزير المحاور الجلسة بأفضل ما تبدأ به الجلسات الحمد الله والصلاة على رسول الله، ثم قام بنثر روح التفاؤل والجمال على الحاضرين، وبدأ الجلسة قائلًا: “جميل أن نلتقي في هذا الصباح المبارك، والأجمل أن نستمع إلى هذه الرؤية الجميلة من زميل عزيز جميل أكن له الكثير من التقدير، وأؤمن برؤيته وفريقه المتميز، عاشرته سنين رأسته ورأسني، فكانت رحلة من أجمل رحلات العمر في مجال الإعلام وفي مجال العلاقات الإنسانية”. وهنا أبصم بالعشرة بأن معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان الدوسري وهو يستمع لهذه المقدمة كان في قمة السعادة بوجود شخصية إعلامية كاريزماتية بهذا المستوى العالي في هذا المنتدى، ليس لأنه من أصحاب المعالي، وليس لأنه أشاد بمعاليه ولكن بالإحترافية العالية في افتتاح الجلسة التي أراها كشفت عن طبيعة بيئة الإعلام السعودي الرسمي والتي تؤكد المناسبات المتتالية بأنها بيئة صالحة لكل زمان ومكان، فالوزير المحاور لديه ثقافة عالية في نشر التفاؤل والطاقة الإيجابية ولهذا سرعان ما يترك الأثر في المكان الذي يتواجد فيه.
هذه المقدمة الارتجالية تعكس لنا علاقة الخضيري الإنسانية مع أصدقاءه وزملاءه من جهة وتكشف عن شخصية المسؤول القيادي والإداري المبدع وطالما مارس الدكتور هذا الدور خلال رحلته العملية.
مقدمة الخضيري جاءت لتعزيز القيم وأخلاقيات مهنة الإعلام وهذا ما تعودناه من معاليه منذ أن كان في إمارة منطقة مكة المكرمة، وقد أحسنت إدارة المنتدى في إسناد هذه الجلسة لمعاليه فقد أثراها بثقافته وأسلوبه الجميل حينما طرح سؤال: أين تبنى هذه القيم ومن ماذا؟ ثم أجاب بمهنية عالية: استوقفني أمرين قول وعمل، أما القول: قول الله سبحانه وتعالى:(وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، ثم قال: هل نستوعب هذا القول أولا، كإعلاميين أو كمتحدثين حتى في شأننا الخاص ضمن منظومة الأخلاق والقيم. هنا سجل الوزير المحاور اعتراف بأنه إعلامي قدير ومتحدث كبير ولا غرابة في هذا فهو قبل ذلك، الكاتب المبدع وكلنا يتذكّر عموده الصحفي في الصحافة السعودية. واصل الخضيري حديثه وقال: الأمر الثاني العمل (ومن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره) ووضّح، فبين القول والعمل هذا هو المنهج، ثم التيسير، إن اخترت هذا الأمر أو ذاك، (يسرناه لليسرى أو يسرناه للعسرى) وقال: الله بييسّر لك لكن إنت اختار تبغى يُسر أو تبغى عُسر).
هذه المقدمة اعتبرها منهج إعلامي متكامل في الإعداد والتقديم وأنصح كل إعلامي وإعلامية بمتابعة هذه الجلسة التي مهد فيها الوزير المحاور، الحوار لضيوف الجلسة بعد أن طرح عليهم السؤال، ماهي التحديات الأخلاقية للتعامل مع المحتوى الإعلامي في ظل المتغيرات الحالية، وكيف نستطيع أن نقدم محتوى يحترم القيم والأخلاق؟.
هذا السؤال أراه يتعدى حدود جلسة الإعلام العربي في مواجهة التحولات” ومن المهم أن يجيب عنه كل من يعمل في قطاع الإعلام.
ختامًا
إذا كان المنتدى السعودي للإعلام في نسخته الأولى أخرج لنا وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي، فالمنتدى في نسخته الثالثة أخرج لنا وزيرًا محاورًا على درجة كبيرة من المهنية والالتزام بأخلاقيات الإعلام، وكان بصدق أيقونة المنتدى، فهل نرى لمعاليه برنامج نخبوي ضمن برامج هيئة الإذاعة والتلفزيون القادمة؟