ليس من المُبالغة وصف السعودية بأنها أرض المعجزات، وهو وصف أطلقته “بنت الشاطئ” على بلادنا قبل نحو سبعة قرون عندما قصدتها للحج والعمرة. المعجزة السعودية الجديدة التي تحمل عنوانًا يُعبر عن حقيقتها ومواصفاتها “مبادرة السعودية الخضراء” لصانعها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان هي باختصار شديد مبادرة لوقف تداعيات تغيُّر المناخ بعد أن أصبحت مظاهر التصحر والعواصف الرملية، وشحّ الموارد المائية العذبة، والارتفاع المستمر في درجات الحرارة، والظواهر المناخية المتطرفة، تؤثر سلبًا على الظروف المعيشية والفرص المتاحة للسكان، وهو ما أوجب الحاجة إلى نهج شامل يراعي خصوصيات المنطقة، ويجمع كافة فئات المجتمع. وتفخر المملكة العربية السعودية بدورها المحوري في قيادة جهود التعاون الدولي الرامية لبناء مستقبل أكثر استدامة للعالم أجمع وليس لشعبها فقط. المبادرة من هذا المنطلق وبأهدافها الثلاثة (خفض الانبعاثات الكربونية، والتشجير، وحماية الأراضي والبحر) تحد للظروف المناخية الجديدة ولسطوة الصحراء على بعض مناطقنا الجافة المحرومة من الخضار (من خلال التشجير على نطاق واسع)، والتي كثيرًا ما يعيرنا بها البعض بالقول: إن بلادنا صحراء جرداء، فإذا السعودية دولة عملاقة تُعانق في تقدمها وتفوقها الحضاري أعنان السماء، وتصبح إحدى الوجهات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية والرياضية، ثم لتصبح أيضًا بعزيمة وإرادة سمو ولي العهد واحة خضراء تنتصر على سطوة الصحراء وجفافها وحرقة شمسها؛ ليستحيل ذلك إلى ظلال وارفة من خلال تلك المبادرة الطموحة التي تعتبر أمل كل مواطن سعودي ينتمي بكل فخر إلى هذا الكيان العزيز.
الذين أطلقوا على بلادنا صحراء جرداء هم ثلة من الحاقدين، فبلادنا بفضل الله ونعمائه تضم كافة التضاريس، وليست الصحاري فقط، وما المبادرة الجديدة لسموه إلا محاولة لتحويل المملكة إلى واحة خضراء ليس فقط من خلال زيادة الرقعة الخضراء، وإنما أيضًا من خلال رسم مستقبل بلا انبعاثات كربونية؛ تحقيقًا لبيئة صحية صديقة للإنسان من خلال العمل على عدة محاور تضم الشاحنات والحافلات والمركبات والقطارات والطائرات والمنشآت، باستخدام الطاقة الكهربائية والتقنية الهيدروجينية في التشغيل، وهو ما يعني أن المملكة تمضي قدمًا نحو مستقبل أخضر بلا انبعاثات كربونية ضارة بالبيئة، مستقبل أكثر استدامة تتحقق فيه جودة الحياة، بعد أن أصبح العالم في حاجة إلى مستقبل أخضر، وهو ما يعني ارتكاز المبادرة على ثلاث ركائز: تحول الطاقة، وحماية الأراضي، والتشجير، والتي تعتبر عناصر أساسية في العمل المناخي.
تدشين سموه للحقبة الخضراء الجديدة، التي يقودها ونقطف ثمارها سويًا، تعكس إيماننا بأن آثار التغيّر المناخي لا تقتصر على البيئة الطبيعية فقط، بل تشمل الاقتصاد والأمن، وهو ما يكسب المبادرة أهمية قصوى، وتؤمن المملكة العربية السعودية بإمكانية تحقيق مستقبل الحياد الصفري بمسؤولية ودون إهمال التنمية الاقتصادية، لذا تلتزم المملكة بالاستثمار في الاقتصاد الأخضر، وتوفير فرص العمل للملايين في المنطقة.
ويتمثل طموح المملكة العربية السعودية في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، والعمل على تسريع انتقال البلاد إلى الاقتصاد الأخضر.
وقد تم تفعيل 77 مبادرة تتوافق مع أهداف المبادرة الثلاثة، وهو ما يُمثل استثمارًا يزيد على 186 مليار دولار ويُساعد في دفع النمو المستدام، ومن خلال الجمع بين القطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز التعاون والابتكار.
اختيار سمو ولي العهد ليوم 27 مارس من كل عام؛ ليكون مناسبة وطنية توعوية تحت اسم “يوم مبادرة السعودية الخضراء” للاحتفال بذكرى إطلاق المبادرة في اليوم ذاته عام 2021 هو تأكيد على أهمية المبادرة والاحتفاء بإنجازات المملكة في مجال العمل المناخي التي تتحقق كل عام، وتوحيد جهود أبناء الوطن في بناء مستقبل مستدام لبلادهم، إلى جانب ما يعكسه من إصرار وعزيمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالتصدي لتداعيات تغير المناخ وتسريع وتيرة العمل المناخي من خلال هذه المبادرة.