المقالات

“مركاز” يحرك مياه المسؤولية الاجتماعية

البلد الأمين مدينة الأحلام والروح والسكينة والآمال، وقبله يتوجه لها المسلمون حول العالم، ومدينة ضاربة في التاريخ والعلم والحضارة منذ آلاف السنين فيها مولد سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين. في كل زاوية وحارة وجبل وريع قصص سطرتها أقلام المؤرخين والرحالة والزائرون والعاشقون لترابها.
على مر العصور، حظيت مكة بالاهتمام وحتى هذا العصر السعودي الزاهر الذي جعل المسجد الحرام وعُماره محط رعاية سخية تكاتفت عليها كل قطاعات الدولة، وهذا مما لا يخفى ولا تسعه السطور والكلمات.
ولا ننسى بالتأكيد الدور الكبير المنوط بالشركات والمؤسسات الربحية عبر برامج المسؤولية الاجتماعية في المساهمة في الرقي بالإنسان والمكان في هذه البقعة المقدسة، ومن باب العرفان لهذه المدينة وقاطنيها ولشرف التواجد في هذه البقعة المميزة على وجه الأرض. المسؤولية الاجتماعية هي التزام أخلاقي بدأت به القطاعات الربحية تجاه المجتمع، ظهر مع الحراك الاقتصادي الكبير حول العالم بعد الثورة الصناعية يتم عبر تنفيذ سلسلة من البرامج التنموية التي تخدم أشكالًا مختلفة من حاجة الإنسان، وتطورت حتى شملت على أشكال متعددة مثل: المسؤولية الفردية والحكومية والبيئية، والدينية وغيرها.
وفي هذا الشهر الكريم وبالتزامن مع اليوم العالمي للمسؤولية الاجتماعية، أطلقت شركة البلد الأمين وهي الذراع الاستثماري لأمانة العاصمة المقدسة؛ وبمشاركة العديد من الرعاة في مكة المكرمة مشروعًا حضاريًا وثقافيًا وتنمويًا رائعًا، بسيطًا في فكرته، عظيمًا في أثره، وهو مركاز البلد الأمين الذي يُعد مثالًا حيويًا للمسؤولية الاجتماعية التي ترسمها أيدٍ سعودية مكية محبة ومخلصة لهذا البلد المقدس.
والرمزية الذكية في استخدام مصطح “المركاز” يعود للثقافة المكية العريقة، والذي يكون على شكل كراسي طويلة خشبية تجمع العمدة برجال الحارة وأعيانها ووجهائها لتدارس شؤون المكان ومتابعة احتياجات الناس وحل مشكلاتهم وعقد الاجتماعات الأدبية والفكرية، والتي لا تخلو من فواصل فنية مثل: الغناء والشعر، والمجس والموال.
وتأتي فكرة مركاز البلد الأمين كتاج عرفان من هذا الجيل للأجيال السابقة صاحبة السبق في الفضل، والتي رسخت المعاني الراسخة للمسؤولية الاجتماعية المؤسسية والفردية في العاصمة المقدسة، ففي كل ليلة من ليالي رمضان، نجد موضوعًا وقضية وفرصة يدعى لها وجهاء وأعيان المنطقة لتدارس تحديات وفرص تنمية المكان والإنسان، ولم ينسَ المنظمون المبدعون تلك الفواصل الفنية فتجد المجس المكي يشنف الأسماء بين وقت وآخر فيما يتسابق الحاضرون على طرح الأفكار والمبادرات لا لشيء إلا حبًا في مكة وأهلها ووفاء وعرفانًا لنعمة أن تكون ابن البلد الأمين.
كل الأمنيات أن يكون هذا المشروع نقطة انطلاقة لبرامج مسؤولية اجتماعية حقيقية وذات أثر؛ فمن خلال ما رأيت من تضافر الجهود في المركاز وتواجد لعدد كبير من الشركات الراعية له، يأتيني يقين أن هناك رغبة صادقة في تقديم شيء لمكة وأهلها، فمتى ما وجدت الفكرة والمنفذ تجد كل من ارتبط بمكة على أتم الاستعداد لتقديم ما يستطيع لهذا المكان.

د. سالم عريجة

استاذ الإعلام بجامعة أم القرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى