المقالات

التعليم الجديد وقيادة التحول

يشهد نظام التعليم بالمملكة العربية السعودية تحولًا كبيرًا، انطلاقًا من بدء اعتماد تطبيق التقويم المدرسي والاتجاه نحو تمكين المدارس ودعم استقلاليتها في قيادة التطوير الذاتي وفق إمكانياتها وقدراتها البشرية والمادية، بالإضافة إلى تطبيق النموذج الإشرافي المساند والداعم لضمان كفاءة الأداء المدرسي. تلاه اعتماد الهيكلة والأدلة المنظمة لعمل وزارة التعليم وإدارات التعليم التابعة لها.
جهود عظيمة بُذلت وما زالت تُبذل في سبيل تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، والتي حملت طموحات كبيرة للارتقاء بمخرجات المؤسسات التعليمية بالمملكة لمستوى تنافسي مع النظم التعليمية المتقدمة عالميًا، بالإضافة لرفع مستوى جودة الحياة المدرسية وخدماتها المعززة لعمليتي التعليم والتعلم، والاهتمام بتنمية مهارات النشء؛ لمواكبة المتطلبات المتجددة لسوق العمل واكتساب المعارف في المجالات العلمية الحديثة كعلم الفضاء، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
لقد أسدلت تلك الجهود الستارعن نمطٍ جديدٍ لنظام التعليم، وما تتطلبه من مهارات وكفايات حديثة لمديري المدارس؛ لإنجاز عمليات التقويم المدرسي الذاتي، والقدرة على بناء خطط التحسين والتطوير في ضوء مستويات تقييم هيئة التقويم والتدريب، ومتابعة تطبيق البرامج والمبادرات العلاجية، والقدرة على استدامة التقدم والتميز من خلال العمل الإبداعي، والانتقال بالمؤسسة التعليمية لتصبح مدرسة متعلمة، تتبنى داخل أسوارها عمليات التطوير المهني بكافة أنماطه الفردية والجماعية لجميع منسوبيها، كما أفرز النظام التعليمي بحلته الجديدة نموذجًا للإشراف التربوي في ضوء تمكين المدرسة، وما يتضمنه من مهام ومسؤوليات متوافقة مع المستجدات، ومتكاملة وداعمة لأعمال فرق التقويم بالمدارس، والاتجاه لتنظيم الزيارات من خلال الفرق الإشرافية وفق ما تتطلبه المدرسة ومستوى التدخل اللازم للنهوض بأدائها.
وبالنظر إلى مشاريع الإصلاح التعليمي السابقة محليًا وخارجيًا؛ نلحظ مواجهتها لعدد من التحديات التي قد تؤثر على نتائجها وديمومتها، ويأتي في مقدمتها مقاومة التغيير، فتلك المهام والمسؤوليات المضافة، يراها البعض أعباء، وذلك نتيجة لعدم امتلاكهم المعرفة والمهارة اللازمة لتنفيذها، مما يؤثر سلبًا على اتجاهاتهم نحو التطوير، فتصبح القدرات البشرية في معزل عن إمكانية الاستفادة منها لنجاح عملية تطوير التعليم وتحقيق أهدافه الطموحة، علاوة على تبني البعض لحكم مسبق بالفشل متأثرًا بتعثر بعض خطط التطوير في الماضي وعدم استمراريتها، الأمر الذي يعكس اتجاهًا متصلبًا ومتحيزًا للممارسات التقليدية.
ختامًا، المتأمل في واقع التعليم اليوم يلمس الحاجة إلى استمرار عمليات قيادة التحول بكفاءة فالفكرة لا تكتمل جماليتها بالتطبيق فقط، إنما بالنتائج الإيجابية المحققة؛ لذا أرى ضرورة إجراء دراسات مستمرة لحصر الصعوبات والمعوقات التي تعرقل حركة الإصلاح التعليمي، والعمل على بناء خطط مقننة لحل المشكلات، وتجاوز العقبات التي تعيق تطبيقه، وتؤثر على جودة نتائجه، إضافة إلى تنفيذ برامج تدريبية مكثفة لتهيئة وتطوير الميدان التربوي؛ لاستيعاب التغيُرات الراهنة، ويسبق ذلك كله أهمية الاستفادة من الإمكانات البشرية المؤهلة لقيادة المرحلة بمنظور مرن و مؤثر قادر على ابتكار الطرق، والاستراتيجيات العلمية الرصينة في خلق بيئة عمل إيجابية تتسم بالتعاون والتشارك في صناعة مستقبل زاهر، يستحقه أبناؤنا وبناتنا في المملكة العربية السعودية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى