قدِمَ أصيل الهذلي من مكة إلى المدينة ما قبل السنة الرابعة للهجرة؛ فسألته السيدة عائشة -رضي الله عنهما-: كيف تركت مكة يا أصيل ؟ فقال: اخضرت جنباتها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق إذخرها، وانتشر سلمها، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أصيل دعِ القلوب تقرّ.
واليوم بفضل الله -عز وجل-، ثم بفضل رؤية الأمير محمد الثاقبة (2030) لبناء اقتصاد مزدهر، ومستقبل مشرق للأجيال القامة؛ ولتمكين كل المسلمين في العالم من زيارة مكة، وأداء العمرة وفريضة الحج؛ أصبحت “مكة” أسرع مدن العالم نموًا في قطاع الضيافة، وخلال الست سنوات القادمة ستكون من أكثر الوجهات الأعلى طلبًا في العالم؛ بمعدل 30 مليون زائر في العام الواحد.
وهذا النمو المتسارع سيُعيد تموضعها بشكلٍ أفضل في وجهات السفر العالمية؛ لتكون وجهة مستمرة للزيارة الممتدة، خصوصًا وأن هذه المدينة المباركة تملك أهم عوامل الجذب الإيمانية لأكثر من ملياري مسلم؛ أي ما يُعادل 26% من سكان العالم.
والدعم الفعَّال لتطوير مكة والعناية بها، وتحديث عمرانها، وتوسيع منافع الأرزاق والاستثمار فيها، سيوفر مزيدًا من فرص العمل للجنسين في قطاع الضيافة، والإرشاد السياحي، وإدارة أعمال الحج والعمرة، والصيانة، وقطاع التجزئة، وسينعكس ذلك بشكل مثمر على الناتج المحلي، ويعزز من جودة الحياة في أرجائها.
فالبنية التحتية الصلبة والناعمة لمكة اليوم حققت قدرًا كبيرًا من الإيفاء بالتطلعات المحفزة، فمشاريع التشييد والبناء تقترب من الاكتمال في مسار، وذاخر، وطريق جدة- مكة- المباشر دخل حيز التنفيذ، ولدى وسائل النقل العام طاقة استيعابية عالية للتعامل مع هذا النمو المتزايد، وقطار الحرمين سهّل سرعة الانتقال من وإلى مكة، وتوسعة المسجد الحرام وفقًا لحديث معالي وزير المالية الأستاذ محمد الجدعان ستكتمل في أواخر 2026 بمشيئة الله تعالى وتوفيقه.
وهناك قرابة 50000 غرفة فندقية جديدة ستدخل حيز الخدمة في محيط المنطقة المركزية، فأكبر فندق في العالم – أبراج كدي – تبلغ سعته 10100، ومشروع تطوير الكدوة، والهجلة، ورؤى الحرم في الأفق القريب؛ لتكون الضيافة في مكة المكرمة قطاعًا يمتاز بالاستدامة، وليس قطاعًا موسميًا مرتبطًا بالحج؛ وذلك مع تزايد الطلب العالمي على الزيارة الممتدة زمنيًا، وقرب انتقال قطاع العمرة إلى وزارة السياحة بداية العام الهجري الجديد، وتَحفُز الكثير من الأثرياء المسلمين في العالم للحصول على الإقامة المميزة من خلال الاستثمار والتملك العقاري في مكة بحسب استطلاع شركة نايت فرانك في يناير الماضي لآراء 506 رجل أعمال مسلم حول العالم من ذوي الثروات العالية.
فكولوريز إنترناشيونال تُقيم باستمرار قطاع الضيافة في مكة المكرمة بأنه الوحيد عالميًا الذي يتمتع بمزايا: “الطلب الفعَّال والمستمر لأجل غير مسمى”.
والضيافة اليوم تبلغ تدفقاتها السنوية على مستوى العالم أكثر من تريليون دولار، وتعتبر من أهم ركائز قطاع الخدمات الذي يُمثل 80% من اقتصاد كثير من الدول.
وهذا النمو المتسارع لقطاع الضيافة في مكة المكرمة سيحتاج إلى مزيد من الكفاءات المتخصصة لإدارته، وتعزيز نموه وجاذبيته، وجودة أدائه، ووزارة السياحة من أكثر الجهات اهتمامًا برأس المال البشري لدعم استمرار نجاحات مستهدفاتها المتحققة عمليًا، لهذا كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة أم القرى من أهم روافد الدعم العلمي/المعرفي لمثل هذا القطاع؛ حيث لديها مخرجات سنوية من الجنسين في تخصصات: السياحة والضيافة، وإدارة أعمال الحج والعمرة، والتسويق، وتقدم برامج في مرحلتي البكالوريوس والدراسات العُليا تضاهي روزين وإيلي برود وإيكول أوتيليري.
والوقت قد حان لشراكة مفيدة بينهما سيجني ثمارها هذا القطاع المتسارع النمو؛ لتكن مكة درة الدنيا في جودة الضيافة والأعلى زيارة.