شذرات
حشود من البشر تتجه إلى مكة المكرمة وتسير بخشوع وطمأنينة، فهي المكان الذي تهوي إليه أفئدة الناس بغرض الحج أو العمرة أو الزيارة، وهي قِبلتُهم التي يتجه إليها مئات الملايين في سائر أنحاء المعمورة خمس مرات في صلواتهم، فضلًا عن أنها مولد سيد البشر، ومهبط الوحي، وقبل هذا كله هي موطن أول بيت وضع للناس لعبادة الله سبحانه وتعالى.
ولمكةَ -شرَّفها الله- من الخصائص ما يوجب الاستقرار والاطمئنان، قال تعالى مخاطبًا رسوله: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (النمل: 91).
قال المفسرون: يعني أمرتُ أن أخصّ بعبادتي توحيد الله الذي لا إله غيره وهو رب هذه البلدة، يعني مكة المكرمة، وخصّها بالذكر دون غيرها لأنها مضافة إليه، وأحبُّ البلاد وأكرمُها إليه.
وفي الحديث الشريف أنه “لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إلاَّ مَكَّةَ والمَدينة، ولَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أنْقَابِهما إلاَّ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ صَافِّينَ تحْرُسُهُما، فَيَنْزِلُ بالسَّبَخَةِ، فَتَرْجُفُ المدينةُ ثلاثَ رَجَفَاتٍ، يُخْرِجُ اللَّه مِنْهَا كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ”.. ومن خصائصها أن أجر الصلوات الخمس يتضاعف فيها، لما روي عن رسول الله: “صلاةٌ في مسجدِي هذا خيرٌ من ألفِ صلاةٍ في ما سواه إلا المسجدَ الحرامَ، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ صلاةٍ في مسجدِي هذا”.
وفي مكة -شرّفها الله- تتضاعف القربات وجميع الأعمال الصالحة.
أما عن فضائل مكة والسكن فيها، فلعل خيرَ من كتب في هذا الجانب أبو سعيد الحسن البصري، وهو من أشهر الوعَّاظ والزُّهَّاد والقضاة، كما كتب الأستاذ خليل ملا خاطر قبل عقدين من الزمن عن ساكن مكة المكرمة.. منزلته، مسؤوليته، ويحسُن لمن أراد الاستزادة في هذا الجانب الرجوع إليها.
وما أريد أن أوجِّه العناية إليه أن الله سبحانه وتعالى خصّ من الزمان الكثير، خص شهر رمضان وليلة القدر فيه، وليلة الجمعة ويومها وساعة الإجابة فيها، ويوم عرفة، والعشر من ذي الحجة،.. إلخ
وخص من المكان لا سيما في الحرمين الشريفين الكثير من جبال وأودية ومياه وثمار. وخص في مكة: الكعبة الشريفة، والحجر والمقام وزمزم وبعض المساجد..إلخ.
وعلينا جميعًا أن نتذكر المسؤولية المُلقاة على عاتقنا تجاه رعاية أهلها، أو تجاه وفد الله وضيوفه وزوار بيته، والمسؤولية مزدوجة فتكون: كيف يتعامل أهل الله مع وفد الله وضيوفه، فيتقربون إلى الله، وينالون شرف المكان والمكانة.
كعادتك كنت معالي الدكتور محلقاً ؛ في سماء المباني الجميلة، وغّواصاً في عمق المعاني النبيلة، وفقك الله وسددك.
سعيدٌ بمعانقة حرفك؛ مبنى ومعنى.