المقالات

مكة المكرمة …. مدينة الأفئدة!!

تلقيت هذا الأسبوع مكالمة على هاتفي النقال، كان على الجانب الآخر من الهاتف، الأستاذ الدكتور/ “محمد ظفر محمود”، أستاذ الفيزياء والرياضيات البحتة في جامعة البنجاب بدولة الباكستان، كان أحد زملائي في مرحلة الدكتوراة في جامعة “ويلز” في تسعينيات القرن الميلادي الماضي، جاء لمكة لأداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام.

دعوته لتناول طعام الإفطار في منزلي برفقته زوجته وابنته التي ولدت في منطقة “ويلز” أثناء دراسة والدها هناك، أذكر أنها كانت في السنة الثانية من عمرها عند وصولي وأسرتي منطقة “ويلز”، كانت زميلة ابني مشرف في المدرسة التمهيدية.
كان مكتبه يقع بالدور الخامس من مبنى كلية العلوم يحمل الرقم (501)، بجوار مكتبي في نفس الدور والذي يحمل الرقم (502)، أذكر أننا كنا نذهب سويًا مشيًا على الأقدام لمسجد الجامعة لأداء صلاتي المغرب والعشاء.
شخصية على درجة عالية من الطيبة، رزقه الله حسن الخلق وطيب التعامل، محب للمملكة وشعبها، توطدت علاقتي به أثناء الدراسة، أذكر أنه ساعدني في التعرف على منسوبي الكلية، وسكرتارية العميد، وأماكن الترفيه، والمكتبة المركزية بالجامعة، والتي كنا ننقضي فيها ساعات تمتد أحيانًا إلى منتصف الليل.
أذكر أن زميله في الغرفة كان طالبًا يحمل الجنسية التركية وصل حديثًا إلى الكلية، وكان لا يُجيد التحدث بالإنجليزية، فكان من وقت لآخر يطلب مساعدتي لترجمة ما يقوله الطالب التركي، باعتباري أجيد بعض مفردات اللغة التركية بحكم أنني من أبناء مدينة مكة المكرمة المدينة التي تتلاقح فيها ثقافات الشعوب المختلفة.
كان من هواة لعبة الكريكت، بخلاف كرة القدم هوايتي المفضلة، شاركني فريق الكلية للعبة كرة القدم في دوري الكليات بالجامعة.
أذكر أنه دعاني غيرة مرة وأفراد أسرتي لتناول وجبة مكونة من الرز البرياني، والكاري، الوجبة الشهيرة لأبناء شبه القارة الهندية في مسكنه الواقع بجوار المبنى القديم لجامعة “ويلز” أمام البحر، والذي كان مخصصًا لسكن طلاب الدراسات العليا الأجانب بالجامعة، وبدوري كنت أدعوه لزيارة منزلي بشارع القوس؛ لتناول وجبة السليق المكاوي التي أجيد طبخها، أذكر أن أم مشرف قامت بشرح طريقة إعدادها لزوجته.
أذكر أنني تلقيت منه قبل عقد من الزمان مكالمة، يطلب مني الدعاء له للفوز في انتخابات المجلس الوطني الباكستاني، والذي يُمثل الغرفة السفلى لبرلمان باكستان مع مجلس الشيوخ، والذي بدوره يُمثل الغرف العُليا للبرلمان، وفقه الله وفاز في تلك الدورة بعضوية المجلس.
بعدها انقطعت أخباره تمامًا، لمدة تزيد على تسع سنوات، رغمًا عن اتصالي على هاتفه النقال لأكثر من مرة خلال تلك الفترة، إلى أن تلقيت اتصالًا منه قبل يومين، والذي أخبرني فيه أنه يقيم بأحد فنادق مكة المكرمة زائرًا لأداء مناسك العمرة.
عندها تذكرت قول الله تعالى على لسان خليله إبراهيم -عليه السلام- عن هذه المدينة المقدسة: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (إبراهيم: 37)، وقوله سبحانه: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج: 27)، لقد جعل الله هذه المدينة المباركة مهوى الأفئدة، يفد إليها الناس من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى