عبدالله الذويبي – أمّ وخطب المصلين في صلاة عيد الفطر المبارك بالمسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء واستهل خطبته الأولى قائلاً: أما بعد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله ، فاتقوا الله رحمكم الله ، واعلموا أن الودَّ بين الأخوة نعمة ، والتواصلَ بينهم رحمة ، والنعمة يزيدها الشكر ، والبلاء يخففه الصبر ، والذنب يمحوه الاستغفار.
الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد.
عيدكم مبارك ، كتب الله لكم سعادة إهلاله، ورزقكم بركة كماله ، وزادكم من فضله ونواله ، ووفقكم لفرضه ونفله ، وصالح أعماله ، وقرن عيدكم بالقبولِ ، وإدراكِ المسؤول ، والفوز بالمأمول ، وقبل الله بالقبول صيامكم ، وبعظيم المثوبة قيامكم .
الله أكبر على ما حبى ، والله أكبر على ما أنعم وأولى .
عيد مبارك لولاة أمرنا لمقام خادم الحرمين الشريفين ، وسموه ولي العهد الأمين ، وعيد مبارك لأهلنا وبلادنا وللمسلمين أجمعين ، وعيد مبارك للطائفين والقائمين ، والعاكفين ، والزائرين ، وجميع قاصدي الحرمين الشريفين.
فها هي – ولله الحمد – صورُ المكرمات من هذه البلاد تتوالى ، وأنواعُ الفضائل تتسابق وتتعالى ، في كل حين ، وفي كل مرفق ، رعايةً ، وخدمةً ، واهتمامًا ، وجدًا واجتهادًا ، وتفانيًا وإتقاناً ، فالمستهدف هو قاصدو الحرمين الشريفين ، وخدمتُهم ، وتيسيرُ أمورهم ، في حلهم وترحالهم ، تسابقٌ كريم في ميادين الخير تحوزه هذه البلاد المباركة ، وقيادتهُا الصالحة.
بلاد كريمة مباركة ، قد من الله عليها بالأمن والإيمان ، والعيش الكريم ، فهي تطعم الجائع ، وتغيث الملهوف ، وتؤي اللاجئ ، وتمسح رأس اليتيم.
أما ضيوف الرحمن فخدمتهم شرف ، وتيسير مناسكهم هدف ، والبذل من أجلهم قربة .
الله أكبر الله أكبر ، ، اطَّلعَ فستر ، وعَلِم فغفر ، وقَصَم من تجبر وكفر .
العيد – حفظكم الله – مناسبة كريمة لتصافي القلوب ، ومصالحة النفوس ، والتحببِّ إلى الأخوة ، وزيادةِ الصلة في القربى.
وبين أيديكم خلق عظيم ، وفن من فنون التعامل لا يتقنه إلا الحليم ، وأدبٌ رفيع لا يحسنه إلا الأفاضلُ من القوم ، والكرامُ من الناس ، خلق من أرقى شيم ذوي الهمم ، يحفظ الكرامة ، ويكسو المهابة ، ويرفع المكانة ، خلق به تعلو المنازل، إنه خلق التغافل والتسامح.
معاشر الإخوة : التغافل أقوم الطرق وأحسنها للتعامل مع الناس إذا صدر منهم ما يغيظ ، أو بدر منهم ما يسوء.
معاشر الإخوة : التغافل – حفظكم الله – هو ترك ما لا يعنى ، والحرص على ما ينفع ، وتحمل الأذى الصغير من أجل دفع الأذى الكبير.
التغافل إعراض عما لا يستحسن من القول والفعل ، والتصرف ، وغض الطرف عن الهفوات ، والترفعُ عن الصغائر.
معاشر المسلمين : المتغافل النبيل يتعمد الغفلة عن الأخطاء والعيوب التي يراها ، وهو مدرك لها عالم بها ، ولكنه يغض عنها تكرما وترفعاً ، وفضلا ونبلاً.
و المتسامح ذو إرادة قوية ، ونفسٍ راقية ، يقدر الشعور الإنساني ، يجبر الخاطر ، ويحافظ على الحياء ، تقوده الحكمة ، ويحكمه العقل ، ولا يجره هوى ، ولا تغلبه شهوة.
معاشر الأحبة : من صلة الرحم نشر التغافل ، ومن دعائم الاستقرار في البيوت التغافل ، ومن المعاشرة بالمعروف التغافل ، وذو الرحم لا يستقصي من رحمه ، فإن الاستقصاء فُرقة.
بلغ الإمامَ أحمد رحمه الله أن عثمان بن زائدة قال: العافية عشر أجزاء تسعة منها في التغافل ، فقال الإمام أحمد : العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل.
ومن جميل ما قيل: من سوء خلقك وقوع بصرك على سوء خلق غيرك، ومن تمسك بزمام التغافل ملك زمام المروءة ، وما الفاضل إلا الفطن المتغافل.
واستهل معاليه خطبته الثانية قائلاً: أيها المسلمون : العيد مناسبة جليلة لمزيد من الترابط والتآلف : أفشوا السلام ، وتبادلوا التهاني ، وتصالحوا ، وتسامحوا ، وتغافلوا .
أيها المسلمون : التمسوا بهجة العيد في رضا ربكم ، والإقلاع عن ذنبكم ، والازدياد من صالح أعمالكم.
واعلموا إن من مظاهر الإحسان بعد رمضان استدامةَ العبد على الطاعة ، وإتباعَ الحسنة الحسنة ، وقد ندبكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ، بأن تُتْبِعوا رمضان بست من شوال ، فمن فعل ذلك فكأنما صام الدهر كله، تقبل الله منا ومنكم وأعاننا على ذكره ، وشكره ، وحسن عبادته.