المقالات

دبلوماسية الفن!!

طوال سنوات الخمسينيات، وحتى نهاية الستينيات الميلادية من القرن الماضي، شهدت العلاقات بين تونس “الحبيب بورقيبة”، ومصر “جمال عبد الناصر”، أجواء فاترة، لتصل لمرحلة التشنج عندما استقبلت القاهرة التونسي المعارض لسياسة “بورقيبة” الزعيم “صالح بن يوسف” عام 1961م لاجئًا، وداعيًا إلى مواصلة الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، ورافضًا الاعتراف بالاستقلال الداخلي الذي حققته تونس بقيادة “بورقيبة” عام 1955م، وقد بذل “بورقيبة” مساعيه لدى “عبد الناصر” لإقناعه بالتخلي عن مساندة الزعيم المعارض “صالح بن يوسف”، غير أن تلك المساعي لم تؤتِ ثمارها، فتوترت العلاقة لدرجة كبيرة بين الزعيمين.
أطلقت عندها القاهرة حملةً ممنهجةً ضد الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة”، شاركت فيها الصحافة المصرية المقروءة، والمسموعة، والمرئية، لدرجة أن نعتته بالعميل الغربي، وبأنه عدو للقومية العربية، وحلم الوحدة التي نادى بها “عبد الناصر” في تلك الفترة، دفعت تلك الأمور الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة” إلى أن يقرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر في عام 1958م، واستمر قطع العلاقات إلى أن قام الرئيس “جمال عبد الناصر” بزيارة تونس للمرة الأولى في عام 1963م، في احتفالات تونس بعيد الجلاء عن مدينة “بنزرت”.
في عام 1965م، قام الرئيس “الحبيب بورقيبة” بزيارة مصر، وفي تلك الزيارة حاول “عبد الناصر” تقديم كل صور التقدير والحفاوة بالرئيس التونسي محاولة منه لتحسين العلاقات المتوترة بينهما، حضر الرئيسان حفلًا أقيم في دار الأوبرا المصرية، غنَّت خلاله “أم كلثوم” أغنية “أنت عمري”، كلمات الشاعر “أحمد شفيق كامل”، وألحان الموسيقار المصري الشهير “محمد عبد الوهاب” وهو أول تعاون فني بينهما، كما قام الرئيسان بزيارة مدينة “أسوان” لتفقد مراحل بناء السد العالي.
عادت الغيوم لتملأ سماء العلاقة بين الرئيسين من جديد، بعد أيام من زيارة “بورقيبة”، لتبلغ ذروتها عندما قام “بورقيبة” بإلقاء خطاب في مدينة أريحا الفلسطينية، في بداية مارس 1965م، ناشد فيه “بورقيبة” العرب إلى قبول قرار الأمم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين، الذي صدر قبل عام النكبة وتحديدًا في شهر نوفمبر 1947م.
ظلت حالة الجمود بين البلدين حتى حرب يونيو 1967م، وفي إطار جولة السيدة “أم كلثوم”، العربية الرامية لمساندة المجهود الحربي المصري بعد النكسة، حلت “أم كلثوم” تونس بدعوة من الرئيس “بورقيبة” وزوجته السيدة “وسيلة”، ففي 30 مايو 1968م، وصلت السيدة “أم كلثوم” إلى مطار تونس العاصمة، وأدلت بتصريح سريع لوسائل الإعلام قالت فيه: “أنا ذاهبة لقطعة من وطني، وطن العرب، كل العرب، تونس الخضراء”.
أثناء الزيارة التقت الرئيس التونسي وجلست معه ساعة كاملة لتُزيل بعضًا مما شاب العلاقة بينه و”عبد الناصر”، وقلّدها “بورقيبة” أكبر وسام في تونس، وحضر أول حفلة، ثم ودعها بنفسه لدى مغادرتها بلاده.
لتكون تلك الزيارة نقطة تحول جديدة في مسار العلاقة بين البلدين، استطاعت فيها “أم كلثوم” أن تدفع بعودة العلاقات بين مصر وتونس، وأن تُحسن قليلًا تلك العلاقات الفاترة التي جمعت بين زعيمين غيّرا وجه المنطقة العربية بأسرها في تلك الفترة الزمنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى