في كتابه بعنوان “طرائف الشعراء في مجالس الأدباء”، صدرت الطبعة الأولى منه عام 1994م، قال المؤرخ والكاتب اللبناني “نجيب البعيني” في مقدمة الكتاب: “إن القراء بحاجة ماسة إلى النوادر؛ لأنها تسرهم وتشيع على وجوههم البشر وأمارات الفرح، وتستخلص من أفواههم الابتسامات الحلوة؛ وخرج الكاتب بانطباع أن النكتة أو الطرفة أو النادرة، يجب أن تكون قصيرة مختصرة لكي تدخل بسرعة إلى القلب؛ فتنال بذلك الاستحسان والإعجاب.
الكتاب به الكثير من النوادر والنكات الطريفة التي تملأ أوقات الفراغ، وتُزيل السقم والملل والضجر، من أجملها أقتبس لكم قصة الزعيم السوري وأحد مؤسسي الكتلة الوطنية المناهضة للاستعمار الفرنسي في سورية حتى سنة 1946م، الزعيم “فخري البارودي” والصرصور، والتي تقول:
قدم فخري البارودي إلى بيروت سنة 1952م- كما ذكر ذلك في ديوانه بعنوان: “قلب يتكلم”، ونزل في فندق “نيو رويال”، بمحاذاة المرفأ بمنطقة ضبية، وكان تعبًا وأراد أن ينام، ولكن صخب الموسيقى من الملهى الليلي المجاور للفندق حال دون ذلك.
فلما هدأت الموسيقى بعد منتصف الليل بساعات أخذ صرصور ثقيل يرسل غناءه وألحانه. فإذا ما ترك سريره وهبَّ ليبحث عنه سكت؛ وإذا ما عاد إلى سريره استأنف الصرصور غناءه! وفي الصباح كتب “البارودي” هذه الأبيات:
يا ليلة النحس في بيروت حالفني…فيها النعاس وكرب النفس مشؤوم
لا البق لا القمل لا البرغوث أزعجني…لا البرغش الفظ لا الذبان لا البوم
لكنما صرَّ صرصور فأقلقني…وطار نومي وجفني منه محروم
في أول الليل صوت “الجاز” أرقني…والقلب في الصدر مهمومٌ ومغموم
في غرفتي حل صرصور فأقلقني…والجسم من صوته المسموم مسموم!
يصر صرًّا فإن انهض “لألقطه”…يسكت وإن نمت يستهويه ترنيم
وإن رجعت أعاد العزف متصلًا…كأن ترنيمه للغيظ تنغيم
يا ليلة لم أذق طعمًا لغفوتها…قضيتها وأنا بالغيظ محموم
#(انتهى الاقتباس).
0