المقالات

الإبلُ رمز إِرثنا وثروتنا!

ارتبط اسم الإبل بالعرب منذ القدم، وتعد رمز الثروة وموروث العطاء، فلها أثر كبير في حياة العرب؛ لأنها تمده باللبن واللحوم والشحوم والجلود والأوبار، وتنقله من مكان إلى آخر، ولها القدرة على تحمل الأثقال ومؤنة العربي في الترحال والتنقل، وتتحمل العطش لمدة من الزمن؛ لذلك أطلق عليها العربي “المال”.
وأشاد القرآن الكريم بالإبل، والتفكر فيها، قال تعالى: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ (الغاشية: 17). كما كانت وسيلتهم الرئيسة في التنقل والترحال وتستخدم لنقل لسلعهم ومؤنهم وحوائجهم، قال تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (النحل: 7).
وقال تعالى: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (النحل:5).
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (المؤمنون: 21).
وتأكيدًا لأهمية الإبل ومكانتها لدى العرب، تُــــبرز المملكة العربية السعودية عنايتها بتراثنا الثقافي وموروثنا العريق المرتبط بالأصالة العربية، فصدرت موافقة مجلس الوزراء على تسمية عام (2024م) بــ”عام الإبل” وذلك في 6 من جمادى الآخرة؛ ترسيخــًا لمكانتها في نفس العربي وتعبيرًا عن الهوية السعودية، وتعددت طرق الاهتمام بها: وكان من أبرزها اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بها وتشييد سباق الهجن لها، وكذلك منافسة مزاين الإبل، مهرجان الملك عبد العزيز للإبل، ووضع جوائز لذلك؛ حيث تُعد الإبل من أهم عناصر الموروث الثقافي الذي أولته الدولة اهتمامًا عظيـمــًا؛ لارتباطها بحياة العرب عمومـًا والشعب السعودي على وجــه الخصوص، فسفينة الصحراء لعبت دورًا بارزًا في حياة الشعب السعودي، ولها قيمة ومكانة ملموسة.
وحكمة خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين تولي اهتمامـًا بالغًا بكل ما يتعلق بموروثنا ويُعد رمزًا بارزًا نعتز به، وهي خطوة تُجسد اهتمام القيادة بربط المواطن بإرثه وتراثه وحثه على المحافظة عليه.
وقد ثمن الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، هذه الموافقة للاحتفاء بهذا الإرث الثمين التي تُـمثّـلها الإبل في حياة أبناء الجزيرة العربية، وتأصيل مكانتها الرّاسخة، وتعزيز حضورها محليــًا ودوليـًا؛ باعتبارها موروثـًا ثقافيـًا أصيــلًا، ومكونـًا أساسيــًا في البناء الحضاري.
وقد ألف عددٌ من المؤلفين عن الإبل كتب، ومنهم من أفرد الإبل بفصول، ولها نصيب من المكانة في شعر الشعراء منذ العصر الجاهلي.
وقد وردت للإبل عدة مسميات وصفات في القرآن الكريم، ومنها:
1ــ الإبل، قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ (الغاشية: 17).
2ــ الهيم، قال تعالى: ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ (الواقعة: 55).
3ــــ بعير، والبعير يشمل الجمل والناقة، وجاء ذكره في سورة يوسف، قال تعالى: ﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ (يوسف: 72).
4ــــ العشار، قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾ (التكوير: 4).
5ــــ البدن، وتشمل البقر والإبل، قال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الحج: 36).
6ــــ الرّكاب، وهو ما يركب من الإبل، قال تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الحشر: 6).
7- الناقة، حيث ورد ذكر الناقة في سبعة مواضع من القرآن:
ـــــ في سورة الأعراف في آيتين (73، 77)
ـــــ في سورة الشمس آية (13)
ـــــ في سورة القمر آية (27).
ــــ في سورة الشعراء آية (155).
ــــ في سورة الإسراء آية (59).
ــــ في سورة هود آية (64).
8- ضامر، قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (الحج: 27).
9- سائبة وبحيرة. والبحيرة وهي الناقة التي يمنع الناس من درها؛ لأنها موهوبة للطواغيت. قال تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ (المائدة: 103).
ولهذا سيظل للإبل مكانتها مهما تقدمت وسائل النقل في عصرنا الحاضر والمستقبل من باب أنها خلق من مخلوقات الله؛ فضلًا عن أنها مازالت مكانتها من حيث الانتفاع مازالت قائمة وتربيتها محل اعتزاز سكان العالم.

د. فيصل بن محمد المطيري

دكتوراه في الأدب والنقد الحديث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى