المقالات

إدمان الإباحية Porn Addiction

لا شك في أن تسارع وتيرة استخدام الإنترنت على نطاق واسع من قِبَل مختلف الشرائح العمرية وعبر أكثر من وسيلة اتصال، أفصح عن زيادة معدلات استخدام المواد الإباحية عبر الإنترنت. التي شهدت تطورًا هائلًا من الصور المثيرة الموجودة في المجلات إلى الأفلام الاحترافية المتخصصة في الإباحية وصولًا للعروض المباشرة، وقد يكون استخدام المواد الإباحية عبر الإنترنت، والمعروف أيضًا باسم “الجنس السيبراني”، أحد تلك السلوكيات الخاصة بالإنترنت التي تنطوي على خطر الإدمان المرتبط مع استخدام الإنترنت للانخراط في أنشطة جنسية متنوعة، من بينها استخدام المواد الإباحية، وهو النشاط الأكثر شيوعًا حيث تشير الإحصائيات إلى أن ما نسبته 25% من إجمالي طلبات محركات البحث اليومية مخصصة لمحتويات إباحية مع 68 مليون طلب لمحتوى إباحي، وهي أرقام مُزعجة بالتأكيد.
وبعد مراجعة للكثير من الدراسات والأبحاث ظهرت العلاقة واضحة ما بين هذا النوع من الإدمان والمشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية والمهنية ومشكلات تتعلق بعدم السيطرة والتشتت الذهني والمشكلات الزوجية والاعتداء الجنسي على النساء والأطفال والشعور بالذنب، وتدني احترام الذات المزمن والصراع الأخلاقي وانخفاض الأداء الأكاديمي..
لذلك يُعتبر إدمان الإباحية أكبر مهدد للصحة النفسية؛ بالإضافة لكونه أكثر خطورة من المواد المخدرة كونه متاحًا ومجهولًا ومتوفرًا لا قيود عليه، ويبقى صامتًا لا يمكن التعرف على متعاطيه ولا يملك من يمارس هذا النوع من الإدمان الاستبصار بالمشكلة وتأثيراتها إلا بعد وصوله للمرحلة الرابعة من الإدمان حيث يصعب عليه التوقف بسبب الأعراض الانسحابية.
حيث يلعب هرمون الدوبامين وهو أحد أهم النواقل العصبية الموجودة في الدماغ في نقل الشعور بالبهجة والسعادة دورًا مؤثرًا في دماغ المدمن على الإباحية؛ حيث يتم إفرازه بكميات هائلة تفوق المعدل الطبيعي، وتحدث نشوة كبيرة وسعادة وارتياح وإثارة مما يؤدي إلى خداع العقل وتحفيز مسارات اللذة في الدماغ؛ فيجعل الشخص أكثر عُرضة للإدمان والقيام بممارسات شاذة وعنيفة مع مرور الوقت للحصول على السعادة.
لذلك ينبغي على القائمين على خدمات الصحة النفسية والمربين عدم الخجل ومواجهة هذه المشكلة المتنامية من خلال نشر الوعي، وتكثيف الخدمات والبرامج الوقائية والعلاجية لمساعدة المصابين بهذا النوع الصامت من الإدمان.
وتختلف الخدمات العلاجية المقدمة حسب مدة الإدمان وحدته وطريقته؛ فكلما زادت المدة احتاج الشخص لفترة أطول من التعافي؛ حتى يستعيد الجسم عافيته ويسترد الدماغ وظائفه بشكل طبيعي؛ بحيث يقدم الطبيب النفسي بعد الأدوية المهدئة ومضادات الاكتئاب خلال المرحلة الأولى من العلاج إذا كانت فترة الإدمان طويلة؛ بالإضافة للدور الكبير للأخصائي النفسي لتقديم الخطط العلاجية المناسبة، وتوفير الدعم النفسي لمنع حدوث الانتكاسة.
ومن ضمن الخطط العلاجية المتاحة أعمدة Schneider & Weiss الثلاث، وهي تمثل المجالات التي تحتاج للتركيز والاهتمام؛ حيث يطلب أن يكتب في العمود الأول السلوكيات المخزية المرتبطة بالإباحية والعمود الثاني يكتب المواقف والأفكار التي تحفزه للقيام بسلوك الجنس عبر الإنترنت، والعمود الثالث تحديد قائمة المكافآت الإيجابية التي تُساعده في الحفاظ على التعافي والامتناع عن أنشطة المشكلة الحالية.
كما يوفر Young برنامجًا متكاملًا لعلاج إدمان المواقع الإباحية على الإنترنت، هذا النهج يجمع بين العلاج المعرفي السلوكي والاستبصار الموجه directed insight، وافترض يونج أن التعافي من إدمان الإباحية هو أكثر قُربًا للتعافي من الإدمان على الطعام. فالمدمنون على الطعام لا يمكنهم ببساطة الامتناع عن الطعام كجزء من شفائهم، وبدلًا من ذلك يجب اكتشاف طرق صحية للتعامل مع الغذاء في حياتهم، وبالمثل يجب على مدمني الإباحية اكتشاف طرق صحية للتعامل مع شبكة الإنترنت في حياتهم، ويتم ذلك أولًا من خلال تقييم استخدام المدمن الحالي للإنترنت وتحديد المخاطر العالية والمشاعر أو الأحداث التي تُثير السلوك، ويجب تقليل الوقت غير الضروري على الإنترنت والامتناع عن كل السلوكيات الجنسية على الإنترنت.
كما يجب تجنب المواقف شديدة الخطورة التي يمكن أن تؤدي إلى الانتكاس، كما يجب إصلاح العلاقات التي تضررت بسبب الإدمان، لأنه غالبًا ما يحدث فقد أو ضرر في العلاقات مثل: (فقدان التواصل في كثير من الأحيان مع الوالدين أو الأزواج، الأبناء، الأصدقاء المقربين)، ويقدم تعزيز هذه العلاقات الدعم والمحبة والقبول للمدمن، ويعزز مفهوم أنه شخص محبوب.
ويؤكد Young أن عملية الشفاء والتعافي ما هي إلا اكتشاف للذات self-exploration بشكل مستمر، ويجب ملاحظة السلوك وتخفيف العار والعمل على التأقلم الصحيح، وتعزيز فرص التعلم من الأخطاء وحدد برنامجًا علاجيًا يرتكز على CBT يتلخص في ثلاث مراحل المرحلة الأولى: تهدف إلى وضع هدف محدد وواقعي يساعد على تجنب الانتكاس. ويتم ذلك من خلال تحديد سجل يومي لتسجيل النشاط على الإنترنت مثل (اليوم والمدة والحدث والنشاط والنتيجة)، والهدف من ذلك هو تحديد عدد الساعات التي يقضيها الفرد على الإنترنت، وأيضًا القضاء على جميع المثيرات.
المرحلة الثانية: يتركز العلاج على الجوانب المعرفية للإدمان، كالأفكار التي تؤدي إلى النشاط المفرط على الإنترنت، والتي تؤثر على التأقلم، وتوصف هذه المرحلة بإعادة البناء المعرفي.
المرحلة الثالثة: التعامل مع المشكلات القائمة في حياتهم التي أدت إلى الإدمان، الحد من التعايش مع المشاكل مثل: الإدمان على المخدرات أو الكحول أو القلق والاكتئاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى