عام

إدوارد سعيد وصراع الحضارات وأنا

هذه المحاضرة كانت في لندن في فبراير 1993 بتنسيق وترتيب من خريجي الجامعة الأمريكية ببيروت AUB الذين يعملون خارج لبنان، وكان إدوارد سعيد يرد على ورقة صامويل هنتغتون Clash of Civilizations صدام الحضارات التي كتبها بعد غزو صدام للكويت ثم تحولت لكتاب، وقام البنتاغون وقتها بدراسة ما ذكره هنتغتون في بحثه، وكان هناك بعض الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة فيما يخص سياستها الخارجية.

حضرنا ربيع جان ويوسف شاهين وحضرتي. كان شهر رمضان وتوجهنا من مدينة إكستر Exeter إلى لندن، وصلنا قبيل أذان المغرب وتوجهنا إلى أحد المطاعم لتناول طعام الإفطار ثم ذهبنا إلى مكتبة (الكشكول) و(الساقي) لشراء بعض الكتب. كان الطقس باردًا وممطرًا. كنا نلبس بنطلونات جينز وقمصان وفوقها جاكيتات. ذهبنا إلى موقع المحاضرة ونحن نحمل أكياس الكتب ودلفنا إلى الصالة. كان موقع جلوسنا في الدور الثاني؛ حيث كانت مقاعدنا (حسب تذاكرنا). كنا الثلاثة متميزين ومختلفين. بقية الحضور وعلى رأسهم حاكم لندن London’s Mayor يلبسون البدل (بنطلون، وجاكيت، وقميص، وربطة عنق). ماركات؛ لا تقل قيمة البدلة عن ألف جنيه استرليني، والنساء يلبسن فساتين سواريه من الحرير، ومعاطف من الفراء.

بعد انتهاء المحاضرة نزلنا إلى القاعة السفلية؛ حيث يقف إدوارد سعيد، وبعض من الحضور، منهم من يسأله ومنهم من يأخذ صورًا تذكارية معه.
وقفت إلى يمين إدوارد سعيد؛ حيث كان يتحدث إلى أحدهم، والتفت إليَّ فمددت له تذكرتين وطلبت منه التوقيع عليهما. سألني:

Why two tickets?

– لماذا تذكرتين؟

For me and my friend-

– لي ولصديقي

تناول قلمه من جيبه وقلب التذكرتين وشخبط عليهما ما يشبه التوقيع (لا زلت أحتفظ بالتذكرة وتوقيعه والبيع لأعلى رسوم/ بدون ضريبة مضافة).

سألني:

What is your name?

ما اسمك؟

-Ali

-علي

-What are you studying?

– ماذا تدرس؟

English Literature/Fiction/Novels-

– أدب إنجليزي/ علم الروايات

-What are you writing on?

– عن ماذا تكتب؟

Your friend –
– صديقك
عندما قلت له صديقك. هز رأسه في حركة تدل على تساؤل..

-Joseph Conrad

– جوزف كونراد (إدوارد سعيد كتب رسالته في الدكتوراة عن جوزف كونراد)

Who’s your supervisor?-

-من هو مشرفك؟

-Professor Michael Wood

– البروفيسور مايكل وود (إدوارد يعرفه فقد تكلم عنه في أحد كتبه)

Lucky you!-

– محظوظ أنت

قلت وكلي اعتزاز وفخر وبدون تواضع

Lucky him-

– هو المحظوظ

ضحك والتفت إلى يساره حيث كان هناك شخص يحمل كتاب (الاستشراق Orientalism لإدوارد سعيد) وأخذ يسأله عن بعض محتويات الكتاب. في هذه الأثناء قال لي صديقي ربيع: اسأله لماذا ذكر في كتابه الاستشراق أن جين أوستن (روائية إنجليزية) هي من حرضت الإنجليز على استعمار شبه القارة الهندية.

انتهى من الرد والتفت إليَّ فباغتته بالسؤال (بالإنجليزي طبعًا)،

رد دون أن يفكر:

-I didn’t
-لم أفعل
أثق في ربيع كثيرًا. فهو قارئ من طراز متميز ومختلف، ولو أخذ الكتاب من الشخص الذي على يساره وسألني: أين ذكر ذلك؟ لما عرفت، لأنني لم أقرأ الكتاب. قلت بصوت واثق، وأنا أضم كفي وأشير بالسبابة إلى صدره:

، Yes Sir, You did-
-نعم لقد فعلت.
تبسم ووضع يده من وراء رقبتي على كتفي، وبدأنا نمشي والكاميرات والإضاءات علينا (الكل تعلو وجوههم دهشة وتساؤلات: من هذا الشخص المهم الذي يمشي معه إدوارد)، وهو يشرح لي عن كتابه. كان ربيع والآخرون خلفنا، التفتُّ إلى ربيع وقلت له: اسمع الإجابة (لأنني لم أكن مهتمًا. كان يكفيني أنني ناقشت إدوارد سعيد وجذبت انتباهه لي). مشينا ويده على كتفي وهو يتكلم حوالي دقيقتين ثم نظر إليَّ وصافحني وطلب مني حضور العشاء في الصالة المجاورة مع باقي المدعوين. اعتذرت منه وشكرته، قال: أرجو أن نتقابل مرة ثانية.

قلت: يشرفني ذلك.

ولم نتقابل بعدها.

علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى