المقالات

التاريخ والأدب صنوان (1-2)

نشأ علم التاريخ عند المسلمين في أحضان علم الحديث، وارتبط أيضًا بالأدب والتراث العربي إلى عهد زمني غير بعيد، فما من كتاب تاريخ خلا من نصوص أدبية نثرية أو شعرية، وما من كتاب أدب من كتب التراث إلا وهو مليء بالأخبار التاريخية وبعض الوثائق التي تؤكد واقعة أو تثبت موقفًا أو توثق حادثة من أحداث التاريخ الإسلامي ذلك التاريخ الثري والمثري والأثير بالأحداث المفعمة بالمواقف، الحافلة بالوقائع على امتداد حركة الشعوب الإسلامية في الزمان والمكان.
فمن كتب التاريخ الإسلامي الحافلة بالنصوص الأدبية على سبيل المثال لا الحصر، مروج الذهب للمسعودي، وفتوح البلدان وأنساب الأشراف للبلاذري، والكامل لابن الأثير، الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية لابن طبا طبا، وفتوح مصر لابن عبد الحكم، والولاة والقضاة للكندي، والبرق الشامي للعماد الأصفهاني، والنجوم الزاهرة لأبي المحاسن تغرى، والخطط للمقريزي، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، والروض المعطار للحميري، والعبر لابن خلدون، وريحانة الكتاب ونجعه المنتاب للسان الدين بن الخطيب.
ومن كتب الطبقات والتراجم ذات الصيغة التاريخية العامة نذكر منها على سبيل المثال: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، تاريخ دمشق لابن عساكر، وفيات الأعيان لابن خلكان، الوافي بالوفيات للصفدي، فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني، الضوء اللامع للسخاوي، خلاصة الأثر للمحبى، جذوة المقتبس للحميدي، بغية الملتمس للضبى، المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي لابن الآبار، على أن الطريف في الأمر أن كثيرًا من كتب الطبقات والتراجم المتخصصة في فئة بعينها من الأعيان كالفقهاء من أصحاب المذاهب أو النحاة أو اللغويين أو المحدثين أو العميان كلها تفيض بالنصوص الأدبية الطريفة، مثال ذلك طبقات الشافعية للسبكي، وطبقات النحاة واللغويين للزبيدي، وبغية الوعاة في طبقات النحاة للسيوطي، ونكت الهميان في نكت العميان للصفدي
أن كتب التاريخ والتراجم والطبقات تلك التي ذكرنا على سبيل التمثيل لا الحصر حافلة بالنصوص الأدبية من شعر ونثر؛ بحيث لا يستطيع باحث في الأدب أن يقف منها موقف الغفلة والاستغناء، حتى إن كتابًا مثل تاريخ الرسل والملوك للطبري يعتبر المصدر العمدة لشعر الفتوح الإسلامية الذي كتبت فيه أكثر من رسالة جامعية.
هذا ما كان من أمر كتب التاريخ والتراجم وصلتها بالأدب واستغراقها في الاحتفال بنصوصه الشعرية والنثرية استغراقًا يجعل منها ضرورة لكل باحث، وعمدة لكل دارس في ميدان البحث الأدبي.

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى