قادني الفضول يومًا لتجربة إحدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل مغاير للمعتاد، فقمت بطرح السؤال التالي: “هل لديك فكرة ملهمة لقصة قصيرة جدا؟”. وعلى الرغم من أن السؤال بأداة الاستفهام “هل” يحتمل إجابتين أما نعم أو لا تأكيدًا أو نفيًا للمسؤول عنه، إلا أن غزارة المعلومات غير المتوقعة لدى هذا التطبيق “ChatGPT” جعلت إجابته تتجاوز توقعات إجابة السؤال، وتأتي بمقترحات أخرى نحو الآتي: “ما رأيك في كتابة قصة قصيرة جدًا عن رجل يعيش في مدينة كبيرة ومزدحمة، ويجد نفسه محاصرًا في روتين حياته اليومية المملة والمكررة. في يوم من الأيام، يكتشف بوابة سرية صغيرة في جدار غرفته تقوده إلى عالم آخر مليء بالألوان والجمال، حيث يجد السلام والهدوء والإلهام. يتعلم الرجل أهمية الاستراحة والابتعاد عن الضوضاء والضغوطات، وكيف يمكن لحظة بسيطة من الهدوء أن تغير حياته بشكل إيجابي. يمكنك بناء على هذه الفكرة وتطويرها بمزيد من التفاصيل والتشويق لجعل القصة أكثر جاذبية وإلهامًا للقراء.”
في الواقع، لم يكن السبب الحقيقي وراء طرح هذا السؤال هو البحث عن فكرة ملهمة لكتابة القصة تحديدًا، بل كان الفضول لمعرفة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على خلق قصص مماثلة لتلك التي تكتب من قبل البشر، وعلى محاكاة تنظيم الجمل البشري بشكل يصعب على القارئ العادي اكتشافها ما لم يكن معتادًا على تطبيقات الذكاء الاصطناعي. هذا الفضول وما أسفر عنه جعلني أدرك ما للذكاء الاصطناعي من تأثير على حياتنا من عدة جوانب.
هذا الإدراك ولد تساؤلاتٍ أخرى عما إذا أصبح الاعتماد مستقبلاً على الذكاء الاصطناعي بشكل كلي؟ وعما إذا كانت قدراتنا العقلية على الحفظ والتذكر، وعلى توليد الأفكار، وعلى الاعتماد على أنفسنا في اتخاذ القرارات هل ستتأثر به أم لا؟ وإلى أي حد سيبلغ هذا التأثير؟ وعما لو أصبح هذا التطبيق “اللطيف” وأشباهه صديقًا للحوارات اليومية، ورفيقًا ذكيًّا جداً وخدومًا في مجال العمل، بل وخبيرًا في كل شيء إلى درجة عدم الاستغناء عنه في حياتنا اليومية، أو ربما حياتنا المستقبلية بشكل عام؟
من ناحية اجتماعية؛ أعتقد أن الذكاء الاجتماعي سيصبح الصديق الذي لا يخون، والرفيق الذي لا يمل صحبتك، ومرافقتك في كل حين، وفي أي وقت تريد بلا كلل ولا ملل. ومن ناحية “تواصلية لغوية” أعتقد أن قدرات التواصل مع الآخرين ستتراجع بسبب الاتكالية والاعتماد الكبير على الذكاء الاصطناعي في التعبير بأشكال مختلفة. ومن جانب تعليمي أعتقد أن من الصعب جدا تمييز مَن قام بتأدية المهام والواجبات المنزلية، وبالتالي لن يكون التقييم صادقًا كسابق عهده، وذلك قد يضع الطالب أمام موقف محرج أكاديميا مستقبلاً في مواقف لا يمكنه أثناءها اللجوء إلى الملاذ الاصطناعي الذكي.
أما من ناحيةٍ نفسية؛ فيشير المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية متعدد الأوجه، فعلى الرغم من أنه يقدم فرصًا لتعزيز الصحة النفسية فإن ذلك لا ينفي وجود مخاوف بشأن تهديده للوظائف الفعلية، والعزلة الاجتماعية، والاعتبارات الأخلاقية. ويؤكد على أهمية تحقيق التوازن بين فوائد وتحديات الذكاء الاصطناعي بطريقة مدروسة وأخلاقية؛ لضمان إحداث تأثير إيجابي في الصحة النفسية في عالمنا الذي يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي.
وفي الختام، لكل جديد في عالمنا جانبين أو أكثر ولا يمكننا تصنيفه أو الحكم عليه قبل أن يأخذ حقه من التجربة والممارسة، وعلى أية حال، فإن إيجابيات هذا الجديد أو سلبياته -كعادة ما يصنعه الإنسان- ليست إلا نتيجة طريقة التفاعل معه بالسلب والإيجاب؛ فنحن نجني ما نحصد على الدوام.
أميرة بنت ناصر الموسى
0