المقالات

إرثنا.. هوية المجد

تتابعت الحضارات الإنسانية على أديم الأرض، رحل البشر وبقيت بصمتهم تلوح في أفق التاريخ بنقوشها البسيطة التي تحكي تفاصيل حياتهم، و تميز عمارتهم الكاشفة للقدرات العقلية التي وهبها الله -سبحانه وتعالى- للبشر في توظيف الموارد التي تتوفر على أرض؛ لتيسير قطع دروب الحياة.
وتُعرف كل حضارة بالأقوام الذين عمّروا أرضها، فكم من القرون مضت و لازلنا نرى المدن الرومانية شامخة بأقواس النصر الشهيرة المرتسمة على أرض روما، والحضارة الفرعونية بأهراماتها الجاذبة للسياح من كل أرجاء العالم، وحِجر الحضارة النبطية في العُلا الذي أصبح محطًا لأنظار الباحثين عن حكايا الأمم السالفة.
ولم تقف حضارتهم على إعمار الأرض والبناء الشامخ عليها؛ بل تجاوزتها بما تلونت به ثقافة الشعوب من ملابس زيّنت أجسادهم، وما وصلنا من حكايا و أساطير تناقلتها الروايات والقصص، كأسطورة حرب طروادة، وملحمة جلجامش، وحكايا الفتوحات الإسلامية التي شهدتها بقاع واسعة من الأرض.
وعندنا نقف على تاريخ الجزيزة العربية فسنجد أرضها قد احتضنت العديد من الحضارات كأقوام عاد وثمود، وحضارة دلمون، ومملكة كندة، وغيرها الكثير من الحضارات التي مرّت على أرضها قبل الميلاد وبعده، ويكفينا فخرًا أنها الأرض التي اختارها الله لتكون قبلة المسلمين وموطن الحضارة الإسلامية ومصدر إشعاعها.
وفي حديثنا عن المملكة العربية السعودية كحضارة؛ فإننا سنتحدث عن حضارة سعودية عريقة انطلقت من الدرعية عام ١١٣٩هـ، وامتدت على أرض شبه الجزيرة العربية، عاش تحت حكمها قبائل كانت متنافرة، استظلت بظلها، عاشت بأمن وتآخ تحت راية التوحيد، محافظة على عاداتها وتقاليدها بكامل حريتها، مع ما يجمع بينها من عادات الكرم والشهامة والقوة.
فإن تجولنا في ربوع المملكة ستبهرنا ملامح كل منطقة بتصميمها المعماري الذي تتميز به، وما تتجمل به من عادات وثقافات، وإن كانت متباينه بين شمال المملكة وجنوبها، ولهجاتها التي تتنوع بين شرقها وغربها، بعطور تنتجها وتتفاخر بها كالورد الطائفي، وتمور تنفرد بلذتها، وأنغام تُطرب في ليالي السمر، مشكّلة لوحة ثقافية بمختلف الفنون البصرية والجمالية المازجة بين الأصالة مع الحداثة مساهمة في التنمية الوطنية على مختلف درجاتها.

إن التراث هو الشاهد على حضارة الأمم، والإرث الثمين للأجيال اللاحقة الشاهد على عمق أصولهم، و الحافظ لهويتهم، إنه جزء من جودة الحياة على الأرض، وهو ما جعل حكومتنا الرشيدة توليها اهتمامًا يتلائم مع قيمتها، مؤمنة بقدر هذا الإرث الحضاري العظيم، فهاهي منجزات هيئة التراث تسطع كأشعة شمس الصباح، مطلقة مبادرات وتعاون مع العديد من الجهات كوزارة السياحة ووزارة التعليم وغيرها من أجل الحفاظ على تراث المملكة، ينبع هذا الاهتمام من رؤية دولة تؤمن بقيمة إرث الأجداد؛ إذ تقول: “نحن نفخر بإرثنا الثقافي والتاريخي السعودي والعربي والإسلامي، وندرك أهمية المحافظة عليه لتعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ القيم العربية والإسلامية الأصيلة”.
لنكن جزءًا فياضًا يثري للأجيال القادمة تراثًا يحفظ لهم عزتهم ومجدهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى