مع نهاية شهر رمضان وبدعوة من الصديق عامل المعرفة الدكتور أحمد العرفج وبصحبة عدد من المثقفين والمثقفات كنا في جولة تعتبر الثانية في المدينة التاريخية قلب مدينة جدة حيث تقوم وزارة الثقافة بترميم وإعادة الوجه القديم المشرق لمباني وممرات وبيوتات التجار الأوائل واشهرها مبنى باعشن التاريخي وملحقاته وكانت الجولة بصحبة الدكتور محمد أنور مسلم نويلاتي أحد أبرز من كتب وألف كتابا عن هذه المدينة الضاربة في أعماق التاريخ مئات السنين وأكثر حيث حمل معه هدد من مؤلفه السالف الذكر الذي توسم بعنوان ” جدة .. وعبقرية المكان ” صفحات من فرادتها الروحانية والثقافية .
الكتاب يقع في قرابة أربعمائة صفحة من القطع المتوسط قدمت له أ.د آمال الروبي رئيسة قسم آثار شبه الجزيرة العربية في كلية الآثار والإرشاد السياحي بجامعة مصر للعلوم والتكنلوجيا التي أشادت بالحراك الثقافي في المملكة العربية السعودية ودعت جامعة الملك عبد العزيز للمساهمة مع جامعة مصر في عمل مشترك في أنشطة البحث الميداني في مدينة جدة وأشادت بالكتاب موضع الحديث وما تضمن من استعراض موثق في عدة عصور مهمة عن هذه المدينة وضواحيها وأوديتها .
الكتاب تم تبويبه في بابين فقط اشتمل الباب الأول على عدد من الموضوعات ولعل أهمها أسطورة إبحار الإسكندر من جدة مثالا إلى جانب جدول المقارنة بين مصر وجدة المتفردة وعبقرية المكان وقد أشار إلى تفردها بحكم قربها من مكة المكرمة كمركز ديني وعلمي وثقافي للعالم الإسلامي مشيرا إلى بداية الكتابة عن جدة ضمن هوامش ما كتب عن مكة واستشهد بما ذكر الفاكهي في القرن الثالث الهجري والبكري المتوفى سنة 832 هـ الذي خصص كلامه عن المرابطة في جدة قبل الوصول إلى مكة فيما أوضح المؤلف بأن أول ما تم التأليف عن جدة بدأ مع القاضي نجم الدين محمد بن يعقوب المتوفى سنة 790 هـ في كتابه ” تنسم الزهر المأنوس عنثغر جدة المحروس ” ومن بعده جار الله بن فهد المتوفى سنة 940هـ في كتابه بعنوان ” جدة واحوالها ” وبعدهما ” السلاح والعدة في تاريخ جدة ” لابن فرج المتوفى سنة 1010هـ وكتاب جمال بن عمر المتوفى سنة 1284هـ ” الفرج بعد الشدة في تاريخ جدة ” ثم كتاب الحضراوي المتوفى عام 1327هـ ” الجواهر المعدّة في فضائل جدة ” وكتابه ” المفاضلة بين جدة والطائف “
واشتمل الكتاب على استعراض عن أشهر الرحالة العرب الذين كتبوا عن جدة بحسب التسلسل الزمني بدءا من محمد المقدسي في القرن العاشر الهجري في كتابه ” أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ” حتى القرن الرابع عشر في رحلة شيخ العرب ( ابن بطوطة ) الذي وثق في كتابه ” تحفة الأنظار ” تفاصيل عن جدة وثقافتها بشكل موسع وشامل كما استعرض المؤلف نويلاتي أشهر الرحالة الغربيين بداية من ارحال الإيطالي ( لودفيكو دي فارتيا ) الذي كتب رحلة ” فارتيا ط عندما وصل جدة عام 1503م ثم توالت رحلات الغربيين مرورا بالرحالة الإنكليزي ( جوزيف بتس ) عام 1680م والرحالة الدنماركي عام 1762م ورحالة آخرون على التوالي حتى عام1889م ولم ينس المؤلف استعراض الكتاب المحليون الذين من غير أهلها بالذات لقلة من كتب من سكانها عنها ولعل أشهر من كتب عنها الشيخ عبد القدوس الأنصاري عام 1963م الذي استعرض تاريخها في كتابه ” موسوعة تاريخ مدينة جدة ” مشيرا إلى بعض من كتب عنها في البدايات ومنهم حسين محمد نصيف والشيخ حسن أبو الحمايل وعلي بن سالم العميري وبعض المذكرات المخطوطة لمحمد صالح باعشن والتي تضمنها كتاب الأنصاري كما تضمن الكتاب خرائط لجدة تبين مساحتها ومعالمها البرية والبحرية عبر التاريخ .
انعطاف قلم :
تقوم وزارة الثقافة بجهود جبارة في استعادة وجه جدة المدينة التاريخية والاستفادة منها في مواسم معينة وعلى طول العام حيث يجد الزائر ما يسره من استغلال هذا الموقع التاريخي السياحي الذي شهد في رمضان ازدحاما شديدا من المواطنين والمقيمين وسط خدمات لوجستية أدت إلى البقاء لساعات الفجر للاطلاع على تلك المعالم ما انتشر فيها من باعة وحرفيين ومطاعم شعبية ومقاهي أعادت صورة الماضي في ثوب الحاضر .
0