منتدى القصة

المفتاح

جلس على أحد المقاعد المتناثرة.. ركن حقيبته الصغيرة إلى جواره.كان عدد المسافرين كبيرا.. يتحركون بعصبية..لايتحدثون.. يتناولون مشروباتهم على عجل ثم ينطلقون مهرولين تلبية لنداءات موظفي خدمات الركاب للمسافرين على الرحلات الداخلية والدولية …. جلس إلى جواره رجل كبير في السن مغضن الوجه..وضع أمامه كوب القهوة وقارورة ماء ..وأخذ يرتشف من كوب القهوة الساخن رشفات سريعه..وهو ينظر بقلق حوله قام مسرعا حين اكتشف ان من هو بصحبتهم قد غادروا المكان … وهو يقول يجب أن أغادر أنا أيضا..ما أسرع مرور الوقت ..رنا بناظرية إلى مدخل صالة السفر الواسعة
من بعيد لمحها قادمه من مدخل صالة المغادرة واحد العاملين يدفعها على كرسي متحرك على الطريق الممتد بين الصالة مكاتب خدمات الركاب..وهي تحتضن حقيبتها اليدوية. التي ربما تحتوي ادويتها.وبعض الأشياء الثمينة… ذكرته بأمه بعودها المستمر في نحوله ..ومشيتها الواهنه ..ووجهها الصبوح بملامحه الطيبة….
رغم أنه غادر بيتهم القديم منذ مدة زمنية طويلة وتفصله عنه مسافة أطول إلا أن..مفتاح بابه لم يفارقه وكان دوما في جيبه انتظارا لهذه اللحظة..لحظة أن يصل إلى مدينتة ويغادر صالة المطار ويذهب إلى البيت ..إنه يعرف أن الباب يحدث صريرا عاليا عندما يفتح ..فينتبه من في داخل المنزل إلى القادم إليه..لذا قرر أن يفتحه برفق ويدخل منه محاذرا أن يصدر عنه صوتا ويدخل ليوقظهما كما كان يفعل وهو طفل صغير.. ويندس بينهما..تحت اللحاف الدافي..ستكون أمه أول من يصحو وتقفز من سريرها..والدموع تملأ عينيها و علا صوت بكائها، سيصحو والده ويصرخ فيه مؤنبا وهو يعانقه كان يجب أن تخبرنا بمجيئك حتى نستعد للقائك…
تناول ماتبقى من كوب القهوة ..رمى بقطعة النقود على الطاولة، آنسه رنينها الخافت..حمل حقيبته واندفع نحو أحد المداخل المؤدية إلى الطائرة التي ستقله….شعر بلسعة..تيار دافق من هواء بارد آت من أبواب الطائرة المشرعة لاستقبال الركاب المسافرين على متنها….أحكم أزرار معطفه وهو يلج إلى بطن الطائرة ..
استقبلته إحدى المضيفات بابتسامة ترحيب..قادته إلى المقعد المخصص له..وهي تقول له أرجو أن تحكم إغلاق حزام المقعد قبل الإقلاع..
هبطت الطائرة بسلام على أرض الوطن..كان الجو باردا..وممطرا ..ولكن الدفء يسكن أعماقه ..ركب أول سيارة أجرة صادفته بعد إنهاء إجراءات الجوازات والجمارك..سارت به السيارة في شوارع مزدحمة..وتوقفت عند بيتهم القديم..
ارتقى درجات السلم على مهل …وضع الحقيبة على الأرض وأخرج المفتاح من جيبه..وقلبه يخفق خفقات سريعة ..أدخل المفتاح في ثقب الباب و..لكنه لم يفتح..لقد تم تغيير قفل باب البيت .. وأصحابه غادروا المكان منذ زمن بعيد ..

عبدالعزيز التميمي

كبير مديري العلاقات الإعلامية في الخطوط السعودية سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى