المقالات

عبد القدوس… شاعر الحكم ومكارم الأخلاق!

صالح بن عبد القدوس كان من شعراء الدولة العباسية، وعاصر اثنين من الخلفاء الرشيد والمهدي، وينحدر من أصول غير عربية، حكيم متكلم، كان يعظ الناس في مدينة البصرة، كان شعره يدور عن البُعد عن الدنيا ومتاعبها، ويذكر في شعره دائمًا الآخرة، ويحث فيه على الأخلاق الحميدة والعمل على طاعة الله، وتتصف أبياته بمحاسبة النفس، والزهد في الدنيا، وأيضًا الحكمة.
قال عن شعره الخطيب البغدادي: “شعره كله حكم وآداب”، أما ياقوت الحموي فقد قال: إذا سمعت شعرًا، ولا تعرف من ناظمه وتعجبت من جمال حكمه وقوة تنظيمه، وعند مراجعته تجد أن من قام بنظمه الشاعر صالح بن عبد القدوس”.
شعره من الذي يهززك عند سماعه، وصدق الشاعر “جميل الزهاوي” حين قال:
إذا الشِّعرُ لم يَهززكَ عند سَماعِهِ… فليس خَليقًا أن يقال له شِعرُ
أو كما قال الشاعر “معروف الرصافي”:
والشعر ليس بنافع إنشادَه…حتى يكون عن الحقيقة معربًا
يقال إنه قتل على يد “الرشيد العباس” بطريقة بشعة بعد اتهامه بالزندقة؛ حيث صلبوه على جسر بغداد، وظل معلقًا لعدة أيام، وتوفي في سنة 160 هـ.
لهذا الشاعر الكثير من القصائد، غير أن هناك قصيدة واحدة تُسمى “الزينية”، لم يشتهر منها غير بيت واحد هو:
يُعطيك من طرف اللسانِ حلاوةً…ويروغُ منك كما يروغُ الثّعلبُ
ورغم أهمية وجمال هذا البيت، إلا أن البيت الذي يليه لا يقل أهمية وجمالًا عنه، ولكن الناس لم تعره بالًا وهو القائل فيه:
وَصِل الكرامَ وإن رموك بجفوةٍ…فالصفح عنهم بالتجاوزِ أصوبُ
كل بيت في هذه القصيدة يُعادل كتابًا.. هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر صالح بن عبد القدوس أحد أشهر الشعراء في الدولة العباسية. من أبياتها اخترت لكم الآتي:
وأقنع ففي بعض القناعة راحة…واليأس مما فات فهو المطلبُ
لا تأمن الدهر الخؤون فإنه …ما زال قدمًا للرجال يؤدبُ
وإذا الصديق لقيته متملقًا…فهو العدو وحقه يُتجنبُ
لا خير في ود امرئٍ متملق…حلو اللسان وقلبه يتلهبُ
إلى أن قال:
فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي…فالنصح أغلى ما يباع ويوهبُ
ومعروف أن الشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة أو حكمة فهو مجرد تقطيع وأوزان، إنه كلام جميل ورائع وفعلًا كل بيت من أبيات هذه القصيدة، يُعبر عن واقعة، وحدث معين يمر في حياتنا اليومية، ونحن بأمس الحاجة لمراجعة أنفسنا والاتعاظ بما ذكره هذا الشاعر لما يحويه شعره من حكم وأمثال، ومواعظ ومكارم الأحلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى