قبل قرابة سبعين عامًا، كان هناك طالب بريطاني لم يكن يُميزه عن أقرانه شيء! كان مستواه متوسطًا، وحدَهُ أستاذ الرياضيات الذي لاحظ أن وراء هذا الوجه عقلًا فذًّا، فصرف همتَه لتطوير طالبه وترقيته وتحفيزه، كان من نتيجته إهداء البشرية أحد أشهر علماء الفلك في التاريخ.
إنه البريطاني (ستيفن هوكينج)، واحد من أعظم عباقرة العالم، وشاغل (الكرسي اللوكاسي) للرياضيات الذي شغله من قبل العالمُ العظيم: إسحاق نيوتن.
الشاهد في هذه القصة هو (الأثر) الذي تركه المعلم في تلميذه، وتلك الفراسة التي جعلته ينتشل هذه الموهبة الفذة، ويضعها على الطريق الصحيح. والأمثلة على دور التعليم والمعلم في صناعة مستقبل الشعوب والأمم كثيرة أذكر منها…
الرئيس الكوري “لي ميونج-باك”، قال في كتابه بعنوان “الطريق الوعر”:
“إنه عمل في البداية عامل نظافة، وذكر كيف عطف عليه أساتذته وشجعوه في الالتحاق بالمدرسة، وقاموا بتأهيله حتى صنعوا منه رجلًا استطاع فيما بعد من قيادة تلك الدولة الواعدة والارتقاء بها.
وفي كتابه بعنوان “قصة سنغافورة”، عرض الرئيس السنغافوري الأسبق وباني نهضتها “لي كوان يو” كيف تحولت سنغافورا بسبب الاهتمام بالتعليم والمعلم من دولة فقيرة إلى نموذج دولي يُشار إليه بالبنان.
قال:” كانت سنغافورا عام 1965م، بلدًا فقيرًا لا تملك أي من مقومات الحياة، أرسلت وفدًا إلى مصر، للاستفادة من الخبرة المصرية في التعليم، كان الدخل السنوي للفرد في حدود 400 دولار عند الاستقلال، فقفز إلى أكثر من ثلاثين ألف حاليًا، وغدت سنغافورة رائدة في التقنية، ومركزًا تجاريًا مهمًا، ولاعبًا رئيسيًا في اقتصاد وسياسة منطقة جنوب شرق آسيا وما وراء تخوميها، لقد ركزنا على تأهيل المعلم؛ ومن حسن حظنا أن سنغافورة حين كانت تحت الاستعمار البريطاني، كان لديها معاهد مرموقة لتدريب المعلمين”.
وفي كتابه بعنوان ” توفير التعليم لعدد 1.3 مليار إنسان”، ذكر نائب رئيس الحكومة الصينية “لي لانكينغ”، كيف كان دور المعلم في نهضة الصين؛ “قال إنهم ركزوا في برنامجهم الإصلاحي لقطاع التعليم على (المعلم)، فزادوا راتبه، ووفروا له السكن، وأعلوا من قيمته الاعتبارية في المجتمع الصيني”، وأضاف: ” إن احترام المعلمين ساهم في تقدم الصين، لدرجة أن أصبح احترام المعلم وتقدير التعليم تقليدًا صينيًا كما كان في الماضي”.
وأخيرًا ماليزيا التي نهضت وتميزت على دول كثيرة في العالم في مدة وجيزة؛ يقول رئيس وزرائها السابق وباني نهضتها “مهاتير محمد”:” عندما أريد الصلاة أنظر إلى اتجاه مكة، وعندما أريد التعليم أنظر إلى المعلم”.
إن ما سبق أمثلة لتجارب ناجحة قدمها قادة، أظهرت أهمية التعليم في تقدم تلك الدول، وكيف كان دور (المعلم) في نهضتها، إنها تجارب يجب الاستفادة منها، وكما قال أبو حيّان التوحيدي: “تجارب الأولين مرايا للآخرين”.
لقد بذلت دولتنا-أعزها الله- الكثير من أجل قطاع التعليم، ويتوجب على كل العاملين في هذا القطاع بذل جهودهم لإيجاد (المعلم الكفء) الذي يمارس دوره التأثيري في طلابه باقتدار.
0