المقالات

نويلاتي وجدة التاريخية (2)

نعود والعود أحمد إن شاء الله ونواصل القراءة في كتاب ” جدة .. وعبقرية المكان ” لمؤلفه الدكتور محمد نويلاتي أحد ألمهتمين بتاريخ جدة وفي هذه الحلقة الثانية نبدأ مرحلة جديدة مما دونه المؤلف عن جدة وهو يدافع عن مكانتها وتمكنها ومساحتها وثقافتها بدءا من صدر الإسلام مرورا بعهد الدولة العثمانية عندما كانت صنجقية ترتبط إدارتها بالسلطان العثماني مباشرة مرورا بعهد نابليون إبان الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م فقد أدرك أهمية جدة فكتب إلى الشريف يطلب منه توجيه تجار جدة بالسفر إلى السويس في سبيل زيادة التعاون الاقتصادي بين مصر وجدة فكان القرن التاسع عشر حقبة أخرى لازدهار جدة اقتصاديا مما جعل الرحالة ( بوركهاترت ) يقول : إن جدة أصبحت مرفأ للجزيرة العربية ومصر والهند وأن جميع السفن التي تبحر بين هذه البلدان وتدخل البحر الأحمر ترسو في جدة حيث بلغ دخل الميناء في عام 1814م اربعمائة ألف جنيه .
ولم يغفل المؤلف عن بيان مساحة جدة التي بلغت في الألفية الجديدة ‘لى ( 74,762كم )ولكنه عرج على مساحتها إبان الحكم العثماني حيث أوضح أنه إبان الحكم العثماني اتسع لتبدأ من شمال المدينة المنورة وحتى القنفذة جنوبا ثم دخلت منطقة جازان وكان أمير اليمن يتبع لصنجقية جدة إبان حكم إبراهيم باشا الذي أدخل أيضا ولاية الحبش التي تشمل مصوع وسواكن في أفريقيا وأضاف لا يمكن التصديق بالقول أن مساحتها قرابة كيلو ونصف التي تمثل حدود اسوار حسين الكردي الأسوار التي بنيت حولها واستند في معلوماته على بعض من سبقه فإورد أسماءهم ومؤلفاتهم في جميع الصفحات حسب الدلالات ولم يضعهم في قائمة مستقلة في نهاية الكتاب كما هو المعتاد طبعا كل هذه المعلومات التي وردت تعتبر تاريخ ما قبل العهد السعودي قبل ثلاثة قرون تمثل الدولة السعودية الأولى والثانية ثم التي نعيشها اليوم الدولة السعودية الثالثة التي نعيشها منذ عهد الملك عبد العزيز يرحمه الله وحتى هذا العهد الذي نعيشه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله ..
وحول البعد الثقافي قال النويلاتي أن ثقافة جدة لا يمكن حشرها في ركن افتراضي كما يراه من لا يعرفها بأنها ثقافتها قد تنحصر في بعض الأغاني الشعبية وألعاب الفلكلور وقصص القدامى وموضوعات الأزياء والأطعمة وهي وإن كانت ضمن تراثها وموروثها إلا أنها على سبيل المثال لا الحصر وإلا فثقافتها أعمق تستند على رافدين هما : الديني الروحاني لقربها من مكة المكرمة كما أسلفنا والبعد الحضري الذي جعل منها نقطة التقاء الثقافات والتجارة العالمية مما جعلها منفتحة على الآخر وقال أنها تعتبر أرض الرباط والاعتكاف كما جاء في الأثر واستشهد باعتكاف عبد الله بن عباس رضي الله عنه في أول مسجد بني فيها ” جامع الأبنوس ” وأنها درع مكة المكرمة ضد جميع الحملات التي كانت تنوي مكة لمكانتها الدينية وبين المؤلف أن جدة تشكل بداية التسامح والأنسنة بحكم مكانها تجلى ذلك في إطلاق أسماء أئمة الصوفية على حاراتها وأسواقها كما هو سوق العلوي والعيدروس وحارة المظلوم وغيرها من المسميات التي مازالت حتى اليوم حيث تعمل وزرة الثقافة على إعادتها بنفس الرواشين والمنظر الخارجي لها وقد تكون قريبا بعض مبانيها فنادق فاخرة تستقبل زوارها الذين سوف يستمتعون بما تضم من معالم تجارية وديموغرافية .المؤلف قبل أن يدلف إلى أبواب الكتاب أكد أن هذا الكتاب تلميحا أنه الأهم في تاريخ جدة وتصريحا قال إنه ينتمي إلى تيار معرفي يسعى إلى إنصاف جدة تاريخا ومكانة من خلال تصحيح الأخطاء والمفاهيم المغلوطة والشائعة عن مكانتها عبر العصور وإلقاء الضوء على هوية المجتمع الجداوي بسبب الفراغ المعرفي الناتج عن قصور في التدوين وضعف المقدرة العلمية والثقافية لمن قاموا بالتدوين في الفترات الزمنية الماضية واتهم بعضهم بأن كان لهم أهداف ودوافع يخدم بها قوى إقليمية ربما أو استعمارية مع أنها تفتخر بمكانتها منذ أن عينها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ميناء مكة المكرمة وحتى تأريخه .
النويلاتي عتب على الأكاديميين في جدة بالذات في عدم سعيهم للبحث الموثقأو المسوحات الثرية بالشكل الذي يليق بهذه المدينة وثقافتها مما جعله محتكرة في التدوين على بعض الفئات التي تطالب بتبعيتها إلى مكة من ناحية المكون الإنساني والعنصر البشري وخص بعض أبناء القبائل الكبرى في مكة وما حولها الذين استوطنوا جدة الذين حفزهم تعظيم دور مكة وتقليص دور جدة لسهولة البحث في تاريخ مكة وثقافتها بعكس جدة التي تعاني من شح المراجع والدراسات حسب ما ذكر المؤلف مختتما القول بأن جدة كانت موقع تحصين لمكة منذ هجوم الاحباش وهجوم بعض القوى الغربية من البرتغاليين والروس وأو الانكليز أو من خلال مخططات الدولة العثمانية وأثناء الحملة الفرنسية على مصر فكانوا لهم بالمرصاد ولم تسجل أرض الجزيرة العربية أي حالة استعمار بفضل الله تعالى بل كانت وما زالت منزهة عن كل يد عابثة تريد النيل منها ومن المقدسات فيها التي تنعم بهذا الجمال في عهد الدولة السعودية يحرسها الله من كل سوء ومكروه .
انعطاف قلم :
شكرا للأخ عبد الله سليم الزهراني الذي ما إن اطلع على مقالي الأول في هذه السلسلة الثلاثية عن تاريخ جدة حتى علق بتعليقات تؤكد عمق تاريخ جدة وبعض مسميات بعض حاراتها وبيبانها واسواقها ومبانيها وبيوتاتها القديمة كبيت باعشن الذي يعتبر من أوائل مباني تجارها وذكر أسماء وتواريخ بعض مساجدها والذي يعتبر أول مساجدها مسجد عكاش وجامع الشافعي وجامع أبو بكر وذكر أسماء بعض مقابرها وعيونها العذبة وبعض أسماء شوارعها القديمة وهي إضافات جميلة لما استعرضه وأكده النويلاتي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى