المقالات

التعليم بين الإرث الثقافي والمنظور الاقتصادي

كان التعليم ولا يزال ناقلًا للثقافة ووعاءً للمعرفة، وبه تُحافظ الأمم على تاريخها وتراثها ومعتقداتها، وهذا الدور الجوهري الذي قام به التعليم على مر العصور، جعله في مصب اهتمام الدول وأولى أولوياتها؛ لأنه يحافظ على هوية الأمة وموروثاتها وتاريخها، ومن خلاله تتم صناعة الأجيال؛ وعليه تقوم التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الوقت الحاضر تعدت وظائف التعليم إطارها التقليدي من مجرد نقل الثقافة والمعرفة إلى الإسهام الاقتصادي العميق في نهضة وتطور الأمم؛ حيث تعوّل عليه الدول في تحقيق أهداف وتطلعات اقتصادية تحقق الازدهار والتطور والاستقرار الاقتصادي والاستدامة.
ويبقى السؤال.. هل للتعليم منظور اقتصادي يمكن من خلاله اعتباره مشروعًا إستراتيجيًا يتم تطبيق حسابات التكلفة والعائد عليه؟!
من الوهلة الأولى يبدو أن ثمة صعوبة متناهية لتطبيق هذه المعادلة التي تُشكل أساس الإدارة الإستراتيجية ذلك أن للتعليم عوائد غير منظورة على المدى القريب والبعيد؛ حيث تُشكل قيم التعليم التي يُقدمها للطلاب والطالبات حاجزًا وقائيًّا من الانحرافات والجرائم التي تُكلف الدول المبالغ الباهظة لمحاربتها واجتثاثها؛ نظرًا لدورها السلبي في تعطيل المجتمع وتخلفه الحضاري.
ولعلنا نستشهد هنا بتقرير “أمة في خطر”، والذي قام به مجموعة من المتخصصين التربويين وعلى رأسهم David Gardner في عام 1983م؛ حيث يُعد هذا التقرير رسالة مفتوحة إلى الشعب الأمريكي وهو موجه أيضًا إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزير التربية للتأكيد على أهمية المضامين القيمية والأخلاقية التي تنعكس على سلوك المتعلمين، وتسهم في تخريج الأجيال الصالحة للحياة، وأن ذلك يتطلب ضرورة إجراء مراجعة شاملة للمناهج الدراسية؛ نظرًا لأهمية القيم، ومع ذلك فإن المنظور الاقتصادي يحتل أهمية قصوى لا سيما مع تسابق الدول في تعزيز المكانة التنافسية وتطوير القدرات الاقتصادية، ورفع مستوى الناتج المحلي؛ ولذا فإن تحقيق المعادلة الاقتصادية المتوازنة للتعليم يتضمن رفع كفاءة الإنفاق وتطوير الكفاءة الداخلية والخارجية، وتبرير نفاقته الطائلة من خلال المردود الاقتصادي لانخراط مخرجاته كموارد بشرية في كافة المهن وإتقانهم لمهارات العمل المعاصرة، وإسهامهم في الأداء الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى