المقالات

التاريخ والأدب صنوان (2-2)

استعرضنا في المقال السابق المصادر التاريخية المكثفة بالنصوص الأدبية وبالمقابل تناظر أمهات الكتب الأدبية مثيلاتها أسفار الكتب التاريخية؛ فهي مشحونة بالأخبار، مليئة بالأحداث، زاخرة بما يضفي على الحركات التاريخية ما يؤكدها ويوثقها، وفي مقدمتها يأتي عيون الأخبار لابن قتيبة، والبيان والتبين، والحيوان للجاحظ، والكامل للمبرد، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ويتيمة الدهر للثعالبي، وبهجة المجالس لابن عبد البر، والذخيرة لابن بسام، ونهاية الإرب للنويري، والمستطرف للأبشيهي، والمخلاة للعاملي، ونفخ الطيب للمقري.
وإذا كان كتاب تاريخ الطبري يُعتبر عمدة لكل من يشتغل في شعر الفتوح الإسلامية، فان كتاب الشامل للمبرد، وهو كتاب أدب ولغة، يُعتبر عمدة لكل من يعني بالبحث في تاريخ الخوارج فضلًا عن أدبهم.
ولذا نجد كتب التاريخ تُسهم في إمداد دارس الأدب بمادة ثرية مثلما تسهم كتب الأدب في تزويد دارس التاريخ بأحداث كثيفة؛ فالتاريخ والأدب يمتزجان امتزاجًا حيويًا إيجابيًا حتى نجد التاريخ بأحداثه ووقائعه مدونًا بأسلوب ممتع لا يشعر القارئ معه بملل أو ضجر من جفاف السرد التاريخي بل نجد بينهما تناغمًا بديعًا بين الحدث وطريقة العرض.
الرابطة إذن وثيقة بين كتب التاريخ والتراجم وكتب الأدب من حيث احتفال كل فريق منها بالفن الذي يضمه الفريق الآخر، فقليلون من الذين ألفوا الكتب الأدبية يمكن أن يكونوا مؤرخين، ومن الجانب الآخر نقرر أن عددًا قليلًا من المؤرخين يمكن اعتبارهم أدباء، فمن الفريق الأول يمكن اعتبار ابن قتيبة وابن عبد ربه والثعالبي والمقري مؤرخين، وأما الفريق الثاني – أعني المؤرخين الأدباء – فعددهم قليل ويجيء في مقدمتهم ابن طباطبا، والمسعودي، كما يجيء عمارة اليمني على رأس هذا الفريق من حيث ملكته الأدبية والإمساك بناصية الحدث التاريخي والبراعة في صياغته وتسجيله دون منازع.

أ. د. عائض محمد الزهراني

نائب الرئيس لإتحاد الأكاديميين والعلماء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى