المقالات

العلاقة بين الإيمان والبيئة سلبًا وإيجابًا

من العلوم النفيسة التي تتواءم مع الواقع والمنطق والتاريخ، (الجمع بين فقه الإيمان وتقلبات البيئة)؛ بحيث يقف المسلم على التفسير العلمي الصحيح لمجريات الحياة البيئية وتغيراتها وتقلباتها، والنفاد إلى معرفة علل تغيراتها التي يجهلها الكثيرون بعيدًا عن المادية الجامدة والتخرصات الوهمية الضالة، ولنا أن نضبط إيقاع حركتها بما يسوق إلى التوائم والتناغم بين سلوك الفرد والمجتمع المسلم، ويعزز في ذات الوقت بناء الثقة وحسن العلاقة المتبادلة بين فقه قوة الإيمان والبيئة المحيطة، وتزول من حياة المؤمن المخاوف والمفاجآت غير المتوقعة التي تزلزل الوجود الإنساني؟ والحق أن معرفة مغزى هذا السؤال والإجابة عليه من صلب ديننا الحنيف، وكفيل بتحقيق الأمن البيئي والمجتمعي بأوسع معانيه، متى تحققت شروطه وظوابطه من طرف المكلفين، وهذا المنزع العلمي الجامع بين الأمن البيئي وقوة الإيمان الصحيح، دعا إليه نوح -عليه الصلاة والسلام- قومه إليه بناموس الوحي المعصوم، كما قال سبحانه حكاية عن نوح -عليه الصلاة والسلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) (سورة نوح: الآيات 10، 11) وخاطب به هود -عليه الصلاة والسلام- قومه بذات الخطاب، ووردت آيات عامة جامعة بين إصلاح البيئة وبين إصلاح أهلها نتيجة حتمية إيجابية لا تقبل الانفصال والانفصام والمماحكة كما في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (سورة الأعراف: الآية 96)، وعلى النقيض من ذلك وردت نصوص شرعية تُعلل مدى تغير البيئة سلبًا تبعًا لضعف الإيمان وتورط المكلف في الموبقات، ويشهد على ذلك تاريخ ما أصاب الأمم السابقة من القذف والصيحة والرجم والزلزلة، وبهذا الترابط المنهجي المتين بين واقع البيئة وواقع المؤمن، يزيل الخطاب الإسلامي بالكلية الخوف الذي يخامر نفوس البشر من المستقبل، والانتقال بهم إلى استشراف آمن للمستقبل، يهدئ من روع الإنسان الذي تمزقه المخاوف والمفاجآت، وتلك من أهم مهام الساسة، الدعاة، والعلماء، والمربين، والمخططين الإستراتيجيين في جميع المجالات، لضمان قيام حياة آمنة ومستقرة لكل بلد إسلامي، ولما كانت الرسالة الإسلامية رحمة للعالمين؛ فقد عالجت هذا الجانب الذي يُساور مشاعر كل إنسان، من خلال تكليف المسلم برسم مستقبله الآمن بنفسه فردًا وجماعة أو أمة، متى أرادوا لأنفسهم ذلك، من خلال التعامل المبدع والدقيق مع السنن الكونية والقدرية والشرعية التي لا تجامل أحدًا، وثمة شروط أساسية لتحقيق هذه المعادلة الآمنة بكل أبعادها (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأخلاقية) إلخ ومن أهمها:
– الإيمان العقدي النقي من كل الشوائب والنواقص.
– العمل الصالح المتناغم باعتدال ووسطية، والمصطبغ بلوازم الأخلاق الفاضلة التي تربط بين الأخلاق والعقيدة، والعبادات والمعاملات.
– ⁠الأخذ بجميع أسباب الرقي الحضاري والإبداع العلمي والأدبي، والارتقاء إلى مستوى التحدي الحضاري والقيادي للبشرية جمعاء في ضوء شرع الله.
– ⁠إزالة جميع مظاهر اليأس الذي تورط فيه بعض المسلمين في عصور التخلف والاستلاب الحضاري، باعتقاد استحالة النهضة الحضارية للمسلمين إلا بالتنازل عن تطبيق الشريعة الإسلامية نصًا وروحًا، ومن أهم أسباب التوائم والتناغم بين الإيمان والبيئة، ما يتمثل في الأعمال الصالحة المتعدية مثل: الرحمة بالفقراء، والمساكين، واليتامى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحكم بما أنزل الله، ومحاربة الفواحش والمنكرات، وإزالة المظالم، والدعوة إلى الله، والاستعداد الأمني والضرب على أيدي العابثين والمجرمين، والأخذ بكل أسباب القوة كما قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (سورة الأنفال: الآية 60)، والنكرة إذا وردت في سياق الإثبات فإنها تعم، فضلًا عن استقامة السلوك الشخصي لكل مسلم ومسلمة، وقد يتساءل البعض عن إصابة بعض ديار أمة الإجابة (المسلمون) البيئية، ببعض الكوارث مثل: الزلازل والبراكين.. إلخ، فيقال: بأن الانتساب إلى الإسلام وحده لا يكفي للتناغم بين البيئة والمجتمع المسلم إذا غلب عليها الفساد بكل مضامينه ومعانيه، واستحكمت عليه الأهواء والبدع والغفلة والمعاصي والآثام، فإن التوائم مع البيئة حينئذ يتخلف وتظهر الكوارث والنكبات، وتلك سنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول كما قال تعالى: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (سورة فاطر: الآية 43) مما يستلزم بث روح جديدة، تنفض الغبار عن النمطية والرتابة القاتلة والمقترنة بالاستلاب الحضاري، والتقهقر الأخلاقي، وتجرع المخدرات الفكرية المتمثلة في الهروب إلى المستقبل مثل: التنبؤ بقرب قيام الساعة وخروج المهدي، وبعيدًا كل البُعد عن تقديم الإسلام بديلًا حضاريًا شاملًا وفي كل الاتجاهات والمجالات، من خلال تقديم نظرية إسلامية شاملة، تكون بديلًا حضاريًا للنظريتين الاشتراكية والرأسمالية وفروعهما في شتى مناحي الحياة، وبدون هذا الشرط، فلن تُرفع للمسلمين راية ولن تتحقق لهم ريادة في عالم اليوم والحاضر والمستقبل، وسيكونوا ضحايا نكبات البيئة وتقلباتها كفارة لذنوبهم وخطاياهم.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button