لم تكن تصنيفات الناس والمجتمع جديدة علينا؛ فمن قديم الزمان هناك تصنيفات أشهرها الثنائية بين الخير والشر، ولم يكن ما بينهما رماديًا أو ثالثًا؛ لكنه إما أن يكون ميّالًا للخيرية أكثر وتغلب عليه صفات الخير ويخرج من دائرة الشر، وإما أن تغلب عليه صفات الشر فيكون ميّالًا للشر، وإن كان يخفيه لكن نزعات الشر هي الصفة الغالبة.
وإذا أخذنا هذا المثال في المجالات والصفات والتصنيفات الأخرى؛ سواء كانت إنسانية (سيكيولوجية) أو دينية أو تعبدية أو مادية، كلها تؤول في النهاية لصفاتها الغالبة، ومثال آخر على ذلك الكفر والإيمان، وما بينهما منافق، وكلنا مؤمن بالبعث والنشور والحساب، حيث هناك العدل والموازين؛ إن كان خيرًا فخير وإن كان شرًّا فشر، وجنة أو نار، وأصحاب يمين وأصحاب شمال، وينطبق هذا الأمر على أمور كثيرة في القول والعمل والسلوك.
إننا لو حاولنا تطبيق تلك الثنائية في مجال العلاقات الإنسانية والاجتماعية؛ فيلزمنا إيجاد ثالوث لهما، وهو الحيادية، ومن الممكن قبول الحلول الوسط والالتزام بالوسطية ليس عيبًا لكن يجب أن تكون الصفة الغالبة اتجاه الخيرية، وبقدر ما تكون قريبًا منها؛ بقدر ما تحصل عليه من محبة وتقدير أهليتك ومجتمعك.
المواطنة وحب الوطن فطري، وهو حاجة من الحاجات الإنسانية الضرورية (وجود مكان للعيش فيه بأمن) وهو المكان المُشبع لبقية الاحتياجات والغرائز- وفق ماسلو وغيره-، ولا يكفي وجود مكان لأي مخلوق خلقه الله بلا أمن، فمكان ليس فيه آمن ليس بوطن، ومن الاحتياجات الضرورية لمن خلقه الله- الانتماء- للأسرة أو القبيلة والعشيرة والوطن، فالمحافظة عليها هو الأساس للحياة والبقاء.
ومهما اختلفت الآراء والانتماءات؛ فإنه لا يختلف اثنان على وجوب الحفاظ على المكان- الوطن- والأمان، لكن الاختلاف يحدث في طريقة التعايش وطريقة وأسلوب الحياة في ذلك المكان، وقد يبدو للبعض أن الجميع على حق؛ لكنه ليس بحق مطلق، وأرى أن الحق المطلق ممكن أن يكون مع الصادقين والصفة الغالبة في المجتمع؛ ومن لديه رأي مخالف للغالبية؛ فيجب دراسة أصل رأيها المخالف وعمل الحلول للحد من الاختلاف وتضييق الهوة، فإن كان لديها نزعات أو نزوات للقضاء على أغلبية المجتمع- أيًّا كان وفي أي مكان (وأي وطن)- فهذا ظلم وجُور ومخالف للدين والأعراف والعادات والتقاليد، بل ويجب المحاربة لهم بل والقضاء عليهم.
البقاء دائم ويدوم للأكثرية والأصلح للناس وللمخلوقات، وكما وجد عامل الخير يوجد أيضًا عامل الشر؛ والصراع بينهما يستمر، والحق يعلو في النهاية ولا يُعلى عليه.
إنما نراه ونسمعه من أصوات نشاز لإثارة الفتن؛ لن يكون هدفه حتمًا إلا التقويض والهدم للكيان، فلا توجد مثالية مطلقة ولا مدينة فاضلة؛ كما يصورها أصحاب الشر ويصدقها الغوغائية والجهلة، ويخربون بيوتهم بأيديهم، وكما اتضح أنه إما لشهوانية ونزوات؛ أو لتنفيذ أجندة خارجية- الشر- صفتها الغالبة.
تصيّد الأخطاء والهفوات وتضخيمها مدخلهم للتقويض؛ هذا ما نطقت به ألسنتهم وما تخفي صدورهم أعظم، فعلى من يعقل توخي الحذر منهم، وما نسمع من بعض منهم معنا؛ لكنه ليس من طبيعته ولا من أفكاره؛ بل هو مجرد إنسان إما مغرر به أو سمع منهم فتصور أنهم على حق وانساق معهم دون تدبر أو تفكير ودون درء للعواقب.
وكم عرفنا وسمعنا عن شباب يافع وأبناء ضحايا لمن غُرر بهم؛ وهم في الحقيقة أبناء بررة مخلصون، إذ نجد آباءهم وأسرهم من أخلص الناس حبًّا للوطن؛ ومن أوفى الناس خدمة وتفانيًا لمن يقود الكيان، فأقول لإخواننا وأبنائنا؛ إياكم أن يؤتى الإسلام أو الأوطان من قبلكم، فإسلام أو وطن لا نحميه لا نستحق الحياة بدونه.
التوعية والأمر بالمعروف والتواصي بالحق والتواصي بالصبر واجبة علينا؛ وكما قيل- الساكت عن الحق شيطان أخرس- حمانا الله وحمى إسلامنا وأوطاننا من شر الأشرار وكيد الفجار.
3
صح بناتك ورفع ذكرك بالطيب كتب فاجدت واحسنت وبلغت تحياتي
بارك الله فيك وسلمت أناملك وحفظ الله بلادنا وحكامنا
مقال رصين ورائع ويتحدث بواقعية ملمحاً الى اسس التربية التي تعتمد على الحيادية والشفافية حتى لا يكون النشء عرضة للاستغلال الديني او السياسي
ونحن اليوم نعيش اجمل صورة للتلاحم والتكاتف في هذا البلد المعطا مملكة الانسانية ونرى ونسمع ما يحيكه الاعداء ضد بلدنا وعقيدتنا وقيادتنا ولا يزيدنا الا تماسك وصلابة