المقالات

النفس … إلى مسقط رأسها مشتاقة!!

إن حب “الوطن” هو أغلى ما يمتلكه الإنسان في حياته، إنه حيث تتحقق كرامة الإنسان وحريته، كيف لا نحبه! وهو مُهجة الروح، وهو مضغة تخلقت من أنسجة القلب، كيف لا؛ ويتجسّد في هذا الحب الانتماء، والفداء، والشوق، والتضحية.
إن الوطن هو المكان الذي نسكنه، إنه الحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه أرواحنا، إنه البيت الكبير الذي يجمع الأهل، والأولاد، والأحبة، أحياء وأمواتًا؛ ما أجمل حب الوطن وصدق الشاعر حين قال:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا … ولبست ثوب العيش وهو جديدُ
فإذا تمثل في الضمير رأيته … وعليه أغصان الشباب تميدُ
فمهما اضطر الإنسان إلى ترك وطنه، فإن حنين الرجوع إليه يبقى معلقًا في ذاكرته لا يفارقه، وقد قيل: إنه من علامة الرشد أن تكون النفس إلى وطنها تواقة، وإلى مسقط رأسها مشتاقة؛ وصدق الشاعر حين قال:
بلاد بها نِطَتْ عَلَيَّ تمائمي… وقطعن عني حين أدركني عقلي
بلادي هواها في لساني وفي دمي… يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
والسؤال كيف يكون حب الوطن؟ إذا كان الوطن مهبط الوحي، ومدرج النبوة، وموطن المقدسات، ومتنزل الملائكة والرحمات؟ كيف يكون؛ إذا كان الوطن أرض الحرمين الشريفين، ومقصد ضيف الرحمن من الحجاج والزوار والمعتمرين! كيف يكون الحب إذا كان الوطن هو المملكة العربية السعودية.
وهذا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ لقد ولد في مكة المكرمة، ونشأ بها، وظل مقيمًا بها حتى أنزل الله عليه الوحي وأكرمه بالنبوة.
وحينما أمره الله-سبحانه وتعالى- بالجهر بدعوته، وتبليغها للناس، آذوه كفار قريش، واضطهدوا أصحابه -رضوان الله عليهم أجمعين-، ولما اشتد عليهم الإيذاء، أمرهم الله بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا طاعة لأمر الله ورسوله، وإن كانوا في حزن عميق على فراق البلد “مكة” الذي أقاموا فيه طيلة حياتهم.
وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحبة أبي بكر الصديق-رضى الله عنه-، وهو حزين على فراق “مكة”، وأعاد النظر إليها مرات ومرات، وكرات بعد مرات، وهو يود لو عاد إليها، ولكن الله قد أمره بالهجرة إلى المدينة.
وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يومها، ثم خاطب “مكة” قائلًا: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أًخرجتُ منكِ ما خرجت). اللهم احفظ بلادنا وقيادتها وشعبها من كل سوء ومكروه.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلنا أرواح تشتاق لمكة …. بين زائر ومقيم مجبور
    فما يفعل متيم بحبها …. تبعده أكباد وقلبه مفتور
    فطوبى لأهل البيت. …. جواره نالوا بقربه السرور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى