المقالات

الحزن المطول Prolonged Grief

من الطبيعي أن يفقد الفرد أشخاصًا يحبهم خلال مسيرة حياته، ويكون الحزنُ ردَّ فعلٍ طبيعي على هذه الخسارة؛ فمثلًا عند وفاة أحد أفراد الأسرة يشعر المفجوعون بالفقد بالحزن والغضب، والذنب، والقلق، واليأس، ويفكرون باستمرار في الشخص المتوفى والأحداث التي أدت إلى وفاته، وغالبًا ما تكون لديهم ردود فعل جسدية على فقدانه؛ حيث تعتريهم اضطرابات في النوم وانخفاض جودة الحياة، والضعف الاجتماعي والمهني، وشكاوى الصحة البدنية، والأفكار والسلوكيات السلبية ومن الناحية الاجتماعية قد يجدون صعوبة في العودة إلى العمل أو رؤية الأصدقاء والعائلة، وقد تتلاشى هذه المشاعر والأفكار المؤلمة تدريجيًا لدى معظم الأفراد في غضون ستة أشهر أو نحو ذلك من الوفاة. لكن بالنسبة لعدد قليل من الناس فإن رد فعل الحزن الطبيعي يستمر ويصبح منهكًا بشكل متزايد، ويُطلق على هذا النوع من الحزن “اضطراب الحزن المطول (PGD)”. ومن أهم مميزاته أن الأشخاص الذين يعانون من الحزن المطول لديهم أفكار وصور مقتحمة عن الشخص المتوفى وتوق مؤلم لوجوده أو حضوره، وقد ينكرون أيضًا خسارتهم، ويشعرون بالوحدة الشديدة والابتعاد، ويتمنون الموت أيضًا.
وعرفه Pregirson بأنه اضطراب نفسي قابل للتطور نتيجة عدم القدرة على التعامل مع خسارة أحد المقربين، ويخضع للتشخيص خلال الـ 6 أشهر الأولى من الخسارة، ويتضمن أعراضًا محددة وفق معايير (DSM-5-TR) والذي تم إصداره في مارس 2022 وتبلغ نسبة انتشاره بما يقدر بحوالي 10% من الأفراد البالغين الثكالى، وهو مرتبط بشكل أكبر مع الوفيات غير الطبيعية والمفاجئة.
ويعتبر نموذج إليزابيث كوبلر روس الذي توصلت إليها في كتابها عن الموت والاحتضار “On Death and Dying”من أشهر النماذج المفسرة لهذا الاضطراب حيث افترضت مرور الأشخاص المفجوعين بخمس مراحل هي: (الإنكار Denial -الغضب Anger- المساومة Bargaining- الاكتئاب Depression – والقبول Acceptance)

تبدأ مرحلة الإنكار؛ إذ ينكر الشخص المفجوع مسألة الفقدان ويستمر بالإنكار الوقتي للفقدان الحاصل، ويشعر بأنه في حلم مزعج سيصحو منه قريبًا بعدها ينتقل الفرد المفجوع إلى مرحلة الغضب، والتي يشعر خلالها الشخص المفجوع بالغضب العارم بسبب الحالة التي يمر بها وبأنه ليس عادلًا ما يجري له، وتبدأ بعدها مرحلة المساومة وهي مرحلة روحية يطلب فيها الفرد المفجوع من ربه أن ينقذ من يحب على أن يغير من سلوكياته الخاطئة إن قام بإنقاذ من يحبه، ومن هنا يأتي مصطلح المساومة والتي تتميز بمسألة إنقاذ حياة من يحب في مقابل القيام بأعمال صائبة.
وعندما يدرك الفرد المفجوع أن المساومة لن تدفع خطر الموت، سيدخل إلى مرحلة الاكتئاب، وفيها يدخل الفرد في حالة من الضيق والحزن، وتتغير بسببها عاداته الغذائية ونومه، وقد تتأثر علاقاته الأخرى وأعماله بسبب هذه المرحلة والتي يشعر فيها بالتعاسة وقد يلوم نفسه كونه أحد الأسباب التي أدت لوفاة من يحب سواء أكان هذا منطقيًا أم لا. وبعد انقضاء هذه المرحلة، يتقبل الفرد في النهاية وفاة من يحب وينتقل لإعادة ترتيب حياته والاندماج فيها من جديد.
ويعتبر العلاج النفسي الجماعي من أكثر التدخلات العلاجية المناسبة لهذا الاضطراب؛ بحيث لا يتوحد الأفراد مع مشكلتهم ويشعرون بأن هناك أفرادًا آخرين يشاركونهم نفس المعاناة وتتضمن مراحل العلاج التثقيف النفسي حول عملية الحزن، ومواجهة الخسارة، وبناء الدافع للتغيير، وفهم وتقليل التجنب، وتحدي الأفكار غير المفيدة، والتدريب على المهارات الاجتماعية؛ بالإضافة للعلاج السلوكي المعرفي الذي يُعتبر فعالًا في استهداف الأعراض التي تحدث عادةً مع اضطراب الحزن المطول. على سبيل المثال اضطرابات النوم، والأرق، والتحكم في المحفزات، وإعادة الهيكلة المعرفية فيما يتعلق بالمعتقدات السلبية، ووجدت بعض الأبحاث تأثيرات العلاج المعرفي السلوكي على تحسين أعراض الاكتئاب على وجه التحديد.
كما بحثت دراسات قليلة في آثار العلاج الدوائي وحده في علاج اضطراب الحزن المطول، وحددت مراجعة الأدبيات العديد من التجارب المبكرة لمضادات الاكتئاب، وكذلك مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية ومضادات الاكتئاب الأخرى الموصوفة للأفراد المفجوعين بالفقد، وأظهرت النتائج أن الأدوية حسنت أعراض الاكتئاب بشكل ملحوظ، لكن التأثيرات على شدة الحزن كانت هامشية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى