نصف مليون مطلقة
سعد المطرفي
الأُسر التي يكثر داخل محيطها الاجتماعي الطلاق لا تصنف ضمن الأسر النووية المتماسكة؛ إنما تعد من الأسر ذات البيئات المفككة أو السامة التي يضعف في مناخها التربوي الصبر والتعقل والقيم الوقائية الداعمة للاستقرار؛ لذلك ارتفاع معدلات الطلاق في 2023 إلى قرابة نصف مليون حالة (ثلاثمائة وخمسون ألف) لا يعني الرقم أن المسألة قسمة ونصيب، وعدم توفيق، وسوء إدارة أُسرية، وأن مسؤولية الانفصال تقع فقط على الزوحين دون سواهما.
فهذه المبررات لا تشخص واقع الحال بدقة؛ لأن الكثير من الأمهات والآباء يتحملون جزءًا من هذا الألم المجتمعي، وما يترتب عليه من مخرجات سلبية، وأذى قاسٍ للشبان الذين تورطوا في زيجات غير موفقة.
فكثير من الأمهات لا يُحسن الاختيار، أو هن عاطفيات، أو (هُبل)، والأب مغلوب عليه، ولا يمتلك من النصح والمشورة أي شيء، ولا يقوىَ على استخدام سلطته الأبوية في مثل هذه المواقف لتوجيه بوصلة الاختيار نحو الاتجاه صحيح، فتكون النتيجة صفرية، وتعاسة، وطلاق وخيبات لا نهاية لها.
والدورات التأهيلية للمقبلين على الزواج لا تكفي، ولا تمثل نسبة مهمة من الحل؛ لكون الحل يبدأ أولًا من الأب والأم ودرجة امتلاكهما لقدر من الوضوح والتوجيه نحو دعم معايير الاختيار الثابتة، وليست النسبية من جمال وهندسة جسدية معدلة طبيًا في عيادات الجراحة التجميلية.
فالظفر بذات الدين منطلق أساسي للاختيار الصحيح؛ لكنه أيضًا لا يعني بالضرورة أن تكون الفتاة حافظةً للقرآن الكريم، إنما بالتأكيد لا تعرف طريقًا إلى قانون الندية والتمرد ومجمل الطرق المنحدرة المدمرة للاستقرار الأسري، وإنما تملك قِيمًا نضرة، وشخصية واضحة ولديها مناخ مسبق من الاستقرار الأسري واحترام عميق للحياة الزوجية وقيمها وتعليماتها.
فبعض البيئات السامة يشترك جميع أفرادها في سلوكيات وراثية ممتدة، وقد لا تظهر مبكرًا إنما بعد الزواج، وفي حالات لا تظهر إلا بعد سنوات متقدمة من الزواج، أو بعد إنجاب العديد من البنين والبنات، وأخطر تلك السلوكيات عدائية اليودايمونيا الأسرية: أي تبني محاربة السعادة والاستقرار بطرق غير مباشرة كلما كبرت الأسرة، وإفساد الذرية بالإهمال والتهاون والتفسخ، ودعم التفكك، والعقوق، والنشوز، والتمرد على قيم احترام الزوج، واستسهال الطلاق لكونه في مقدمة الممارسات المتجذرة تسلسليًا في الشجرة الأسرية لمثل تلك النوعيات السامة سواء على مستوى الأب، أو الأم، أو الأبناء، أو البنات، أو الخالات، أو العمات، أو الأحفاد.
لذلك معظم الأسر النووية المترابطة هي الأكثر تضررًا من حالات الطلاق، وهي من تدفع في الغالب ضريبة الاختيار الخاطئ؛ لأن ممارساتهم ليست ظرفية؛ إنما هي حالة وراثية متصلة.
ولهذا لم تعد معايير الزواج اليوم هي الجمال والحسب والنسب والمال والتعليم فقط، إنما أيضًا درجة الاستقرار الأسري، ومستوى التماسك، وعدد حالات الطلاق داخل الأسرة وفي محيطها التسلسلي، فكلما كانت حالات الطلاق مرتفعة ومتأصلة كانت نسبة التكرار أعلى داخل الأسر الجديدة، لأن الإنسان سواءً كان ذكرًا أو أنثى ابن لبيئته وهو امتداد لقيمها ومبادئها وممارساتها التي اعتاد عليها، وبالتالي هدم هوة مثل هذا الرقم الكبير من المطلقات، يحتاج إلى مزيد من التنوير بأهمية الاهتمام بمعياريي الاستقرار والتماسك داخل البيئة الأسرية للمقبلين على الزواج عند اختيار كل طرف للآخر، حتى لا يكون الطلاق حالة مستمرة ومتنقلة وتصاعدية.
ارتفاع مخيف لعدد حالات الطلاق والخلع في هذه السنوات المنصرمة لاسيما وان هذه الظاهرة تتزايد مع كل عام ويجب علينا كمجتمع ديني ان نجد حل لاقامة ندواة تربوية دينية تعليمية للمقبلين على الزواج لاسيما وان لدينا قيمة وورث تربوي تركه لنا سيد الانام عليه الضل الصلاة واتم التسليم ..