المقالات

وترحل

عطني المحبة كل المحبة عطني الحياة. عطني وجودي أبغى وجودي أعرف مداه. كانت ربما أول أغنية للبدر عبد المحسن لقد حظيت بأولويته، ولكنها كانت أولوية في عالم الشعر المغني مفعومة بنجاح ليس له نظير، عملت ضجة فنية كبيرة من حيث البناء الشعري، ومن حيث اختيار الكلمات التي ربما كانت مستجدة على ذائقة المتلقي، إنما طرقت بقوة تلك الذائقة التي استقبلتها بنهم فني؛ وكأنه ينتظر من يدق الجرس في ذلك الطرح الفني الرائع، وأبدع طلال مداح في تلحينها وطبعًا في الأداء، وعن عطني المحبة يقول البدر كما سمعت قي لقائه مع بتال القوس.(“قال الأمير “بدر”: “حينها زرت طلال المداح – الله يرحمه – وقلت له ما رأيك في هذه الكلمات، قرأها وقال لي: “هناك مطربة اسمها هدى مداح”، أعتقد أنه رأى أنها ما كانت من مستواه فقرر يلحنها لغيره، وأنا ما كان عندي القوة لأعترض المهم يغني لي أحد، فصادفت أنه بعدها بشهر كان في حفلة بمسرح التلفزيون، فطُلب منه يغني فاضطر يغنيها، ومنها بدأ اسم بدر بن عبد المحسن يكون مطروحًا”.)، وتتالت عطاءات البدر، وكانت كلها لألئ في عقد عطاء شاعر ظهر؛ ليكون لوحده ركنًا من أركان الأغنية السعودية ومسارًا مستجدًا كان راشدًا لغيره من الشعراء؛ ليطرقوا ذلك الأسلوب، وإن لم يجاره أحد في ذلك المجال البدري الخاص. لقد قدم مئات الأغاني وغنى له عشرات المطربين، وكانت كل أغنية لها عاملًا مؤثرًا جميلًا في مسيرة من يغني لبدر، وأكاد أن أجزم أن أسلوبه في الشعر أعطى توجهًا للملحنين؛ ليبحثوا عن جمل لحنية مختلفة ومساحات طربية أوسع. إنه ملحمة فن تستحق كل التكريم والحب والتقدير الذي ناله في حياته، ونتعشم أن يكون له بعد مماته ذكرى لمحبيه وتكريسًا لإبداعاته وتحفيزًا للعطاء لمن بعده. أذكر عندما كنت ضابطًا في إدارة مرور جدة. أن استدعاني سعادة مدير مرور جدة اللواء/ محمد نيازي مراد وعندما دخلت قال لي سمو الأمير يريد رخصة سياقة، وأريدك أن تختبره. كانت طريقة استخراج الرخصة لجنة من ثلاثة أعضاء … النقيب نبيل مداح وعبيد الجارد مهندس المرور، وأنا ورتبتي ملازم أول آنذاك. نختبر المتقدمين لنيل رخصة السباقة، ونقرر أهليتهم للحصول عليها، ولكن بحكم ظرف سموه لأنه كان على سفر؛ فيلزم اختباره لوحده. ونظرت إليه وأنا أمام اسم لامع ورائع، وكيف لا وعطني المحبة تدغدغ مشاعري الفينة تلو الفينة. ففرحت وأنا الذي لي محاولات شعرية تتطور وهواية لا حدود لها في متابعة الشعراء والفن الغنائي، وذهبت وهو يقود السيارة وأول سؤال بعيدًا عن السيارة والسير …هل أنت بدر الذي كتب عطني المحبة تبسم وقال نعم. وقلت له أمازحه. تراك ناجحًا حتى لو خبصت المهم نبي منك الجديد. ضحك وقال تراني لسا عليمي في الشعر أما السياقة فخذ رجالًا. وفعلًا كان سائقًا ماهرًا، وعلى خُلق كريم وتواضع جم. التقينا بعدها عدة مرات كان بعضها عند الموسيقار العبقري الدكتور عبد الرب إدريس في منزله بالشاطئ، وتداولنا الحديث في الشعر والفن. الشاعر الحقيقي لا يعلو بمنصبه أو بوجاهته؛ فالبدر علا في كبد سماء الشعر وتوهج؛ لأنه أيقونة لا تتكرر فيما طرحه من عطاء سواء طربيًا أو وطنيًا. يرحل الناس بكل ما قدموه، ولكن البعض. لا يرحل فمن أعطي يظل حيًا في مشاعر الناس وجيلًا بعد جيل إلى الأبد. إن البدر كما نثر الفرح والسعادة بجمال العطاء في حياته؛ فقد نثر الحزن ومرارة الفقد عند رحيله. (وترحل) يا بدر ولم نرتوِ بعد من إبداعاتك؛ فإن الجمال لا نهاية له. رحم الله أمير ومهندس الكلمة ورائد الأغنية الحديثة في المملكة بدر بن عبد المحسن ووافر العزاء للأسرة المالكة، وعلى رأسها مولاي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد، ولكل محبيه وعشاق فنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى