المقالات

مقاهي المشاهير!!

المقاهي هي مكان للترويح عن النفس ومقابلة الأصدقاء، والهروب من ضغوط العمل، فهي لا تقف عند حدود كونها مكانًا لشرب القهوة والنارجيلة ولعب الورق، وإنما فضاء للترويح عن النفس، يتقاسم فيه الرواد كل ما يدور من أحداث ووقائع.
وتُشير أغلب المصادر إلى أن المقاهي دخلت حيز التنفيذ عام 1511م، في إسطنبول، وإن كان هناك من يُشير إلى تاريخ أسبق، كما ذكرت الباحثة “ماريا كوشنر” في دراسة لها عن مادة الكافيين، إذ تُرجعها إلى عام 1475م، بافتتاح أول مقهى في التاريخ، بمدينة القسطنطينية ، باسم “كيف هان”.
في مكة كانت المقاهي المُتنفس الوحيد لأبنائها، ومكانًا للقاء الصحبة والأصدقاء، وكانت مكانًا مفضلًا يرتاده الكثير من الأدباء والشعراء ونخب المجتمع المكي.
ففي حي المسفلة مازالت في الذاكرة بحكم النشأة والولادة: مقهى العم (عباس أبو فراج) بالقُرب من الحرم المكي، كان الوالد -رحمه الله- يصحبنا معه أيام الجمع لتناول الشاي والذهاب إلى الحرم لأداء صلاة الجمعة. في زقاق البرسيم يوجد مقهى “السقيفة”، ومقهى “الشجرة” بجوار مسجد سيدنا حمزة في الشارع الذي يحمل نفس الاسم، ومقهى العم (يحي مالنتا) في نهاية الشارع نفسه، ومقهى عم (عبده غلغل)، ومقهى (عم حنش) عند مدخل دحلة الولاية.
في الشارع الثالث (الهجرة)، مقهى (عم شيهو)، ومقهى (عم صالح عبد الحي)، ومقهى (الكنكار)؛ وكان النطاق العُمراني لمكة جنوبًا ينتهي عند بستان بأخطمه، والمقاهي في تلك المنطقة تعتبر للنزهة والخروج إلى خارج المدينة للاستمتاع بالهدوء والهواء الطلق. منها: مقهى عم (حسن مطر)، ومقهى عم (حسين بإجراد)، ومقهى (البناني).
على مستوى العالم هناك الكثير من المقاهي التي نالت شهرتها من المشاهير من روادها مثل مقهى (أبولدا) في ألمانيا، نال شهرته لأن (نابليون بونابرت) كان يقضي بعض أوقاته فيه، وفي الحي اللاتيني بباريس نالت بعض مقاهيه شهرتها من ارتياد بعض أدباء ومفكري فرنسا أمثال: (جان بول سارتر) و(سيمون دي بفوار)، وفي لندن لا تزال المقاهي منذ العصر الفيكتوري تعلق صور العظماء الذين ارتادوها أمثال: (لورد بايرون) و(شيللي).
في مصر يرجح أن المقهى الحديث كانت بداياته عام 1908م، وافتتحه رجل ألماني، لكنه لم يدم طويلًا؛ فباعه لرجل فرنسي عام 1914م الذي اختار له اسم مقهى “ريش”، ومن أبرز من زار هذا المقهى، الضابط “جمال عبد الناصر” يخطط لثورة (يوليو)، وكتب على إحدى طاولاته الشاعر العراقي “عبد الوهاب البياتي” كثيرًا من أشعاره، وفي الأربعينيات والخمسينيات كان من أشهر رواده “طه حسين” و”العقاد” و”توفيق الحكيم”، وكتب هؤلاء الكتاب والشعراء كثيرًا من كتبهم وأشعارهم في هذا المقهى، ومن زواره أيضًا، كوكب الشرق “أم كلثوم” عام 1923م، وأصبح مقهى “ريش” رمزًا للثقافة والمثقفين في مصر وخارجها.
وكانت القاهرة تعج في تلك الأيام بالمقاهي الثـقافية؛ منها مقهى (نجيب محفوظ)، و(الفيشاوي)، و(أم كلثوم)، و”البوستة”، بميدان العتبة، ومقهى “دار الكتب” الذي أخذ شهرته من الشاعر “أحمد رامي” الذي كان من رواده ومقهى “متاليا” المواجه لسور الأزبكية.
ولعبت هذه المقاهي دورًا في الثقافة المصرية في تلك الفترة، وارتادها الكثير من المشاهير من أمثال (بيرم التونسي) و(نجيب الريحاني) وغيرهم.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. المقاهي حدث في تاريخ الأمم، وقد عنيتُ بجمع بعض المصنفات فيها، ومعالي الدكتور بكري لم يشر إلى أقدم مقاهي القاهرة(قهوة الفيشاوي) وهي حقيقة بالذكر، فهي مرتاد بعض الرؤوساء وكبار العلماء والأدباء والشعراء، ولعل الكاتب تركها؛ لشهرتها أو أغمض العين عنها خوفا عليها من العين، أو غابت عند رسم قلمه ولم تغب من ذاكرته، أو لقصد عنده والله أعلم بالقصود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى