أصَرّ البدر – رحمه الله – على أن يأفل عن سمائنا بفريدة أخيرة، كانت آخر ما أبدعه قبل موته بأربعة أيام، يتقبّل فيها تراجيدية الموت، وعدم الخلود، ويسلّم بها أمره لله، وينصحنا نصحية الراحل، وهي أصدق النصائح وأوجزها، وذلك حين انتزع لنا صورة لدوامة الحياة، والناس، والواقعية الفردانية التي يقاومها الناس ليس لعدم الإيمان بها، بل للخوف منها، فقال في تجرّد إبداعي واضح، وقسوة أبوية شعرية حانية، وتصوير واعٍ:
”الناس ما همَّها ظروفكْ
كود الذي يحزن لغمّكْ”
وقد صوّر – رحمه الله – الحال البشري المائل للنزعة الفردانية، مع شيء مع الأنانية الواقعية غير المقصودة والمقصودة، والتي تحتمها ظروف الحياة، وتسارع العمر والزمن، وتباطؤ الإنجاز، مما يجعلك تعي أنه لن يتلفت لك ليشاركك همومك وما أغمّك إلا نوادر الأصفياء، الذين قاوموا هذه الدوامة العاصفة ليلتفتوا إليك، ويواسونك، في وقت هم أيضًا يؤمنون “أن الناس ما همّهم ظروفهم” !!
ثم يستمر البدر في مكاشفة الواقع، والتمهيد النفسي لتقبّله، لإعطاء جرعة كافية لامتصاص صدمات الحياة، فقال:
”وإن شلت حملك على كتوفكْ
بتموت ما أحدٍ ترى يمّكْ”
فرسم الحياة لذلك الذي وعى “أن الناس ما همهما ظروفك” واستوعب “أنهم نوادر أولئك الذين يشاركونك غمّك” بإطار الصبر المُرّ على ظروف الحياة، والوحدة والمعاناة المرافقة لذلك الصبر، والذي يتوقع البعض أن الحياة ستقدم له مكافأة عليه بعد أن ينال ما نال إزاء صبره بموتٍ مفعم بالحياة !!، وذلك بالتفاف كل من – أحببت، وتأملت بهم، وتوقعت منهم، – أن يكون موتك حافزًا لهم لإيقاف دوامة حياتهم قليلًا ليكونوا بجانبك في موتك، ولكن لن يبقى بجانبك إلا أولئك النوادر الأصفياء، وهم أيضًا لن يبقوا معك في قبرك، بل سيرحلون بقوّة الحياة، واستجابة لنداء تلك الدوامة الفردانية.
رحمك الله يالبدر، وكلنا “يمّكْ” بدعائنا الصادق، وحزننا النبيل بنبل حروفك، والسامي بسموك، وأقول فيك ولا أوفيك:
غاب بدر القصايد واحتجب بالأفول
وأصبح الليل حالك له ظلامٍ فجيع
هو صحيح السنة يالبدر أربع فصول
لكن أنت الوحيد الي قِصيْدِه ربيع
خالص العزاء لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده والأسرة المالكة والشعر والشعراء.