لم يكن الراحل صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز -رحمه الله-؛ فقيد الشعر والكلمة والثقافة والأدب فحسب!! بل فقيد الوطن والإنسانية بأبهى مشاعرها وإحساسها.. فكان بقصائده يُخاطب الروح والوجدان.. ويستنهض الإحساس الذي يُعين على العيش في الواقع.. في تركيبة ومعادلة يُقدمها كخارطة طريق في مسيرة الحب والتسامي تجاه الألفة، وبناء الكيان الإنساني الذي يشعر بما حوله ويتأثر به.
وأستذكر من قصائده التي تحمل هذا المفهوم بقوله:
ما نشدت الشمس عن حزن الغياب
علمتنا الشمـس نرضـى بالـرحـيـل
وعندها.. كان مهندس الكلمة.. فطينًا مالكًا الفراسة في استحضار المحتوى الشعري.. عندما امتدح شقيقه الأمير سعود بن عبد المحسن؛ بلغة المودع الذي ينتظر وقت مغادرته.. قائلًا:
ولا بدها يا سعود بتغيب شمسـي
ذي سنـة رب الخلايـق فرضـهـا
ولا علها حـريتـي بـعـد حـبـسـي
ولا علي ألقى عند ربي عوضها
لقد غمر الشاعر الإنسان الأمير بدر بن عبد المحسن.. الساحة الشعرية على مدى نصف قرنٍ من الزمان.. بأعماله الأدبية.. التي ترجم بعضًا منها باللغتين الإنجليزية والفرنسية، من خلال لجان متخصصة، لنقل تجربة الأمير بدر بن عبد المحسن الشعرية إلى العالمية.. ليكون بذلك أيقونة الشعر السعودي.. كأبرز روّاد الحداثة الشعرية في الجزيرة العربية.. ناهيك عن مجهوداته الكبيرة في وضع نصوص أدبية ذات مستوى راقٍ تجمع بين الغزل والفخر والرثاء والواقع الاجتماعي والسياسي للمملكة والعالم العربي.
ولم يكن غريبًا في تكريمه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمنحه وشاح الملك عبد العزيز عام 2019؛ وفي العام نفسه كرمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” بالتزامن مع اليوم العالمي للشعر؛ نظرًا لإسهاماته الشعرية.. فقد كان صفحة أدبية تربت في واحة الفكر والأدب والثقافة.. وقد نشأ في بيت علمٍ يُشار إليه بالبنان.. حيث كان والده محبًا للعلم والأدب، كما أنه شاعر مبدع ولديه مكتبة ضخمة تضم العديد من الكتب، ومجلس والده مليء بالعلماء والأدباء وكبار المفكرين في ذلك الوقت ما كان له الأثر البالغ في حب الأمير بدر للأدب والشعر.
وقد زامل الأمير بدر بن عبد المحسن بعض الشعراء الكبار في المملكة منهم: محمد العبد الله الفيصل وخالد الفيصل، وخالد بن يزيد ومحمد بن أحمد السديري، وعبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود وغيرهم الكثير.
وعلى الصعيد الفني تعاون مع الكثير من الملحنين من أبرزهم: سراج عمر، ومحمد شفيق، وسامي إحسان، وعبد الرب إدريس، إلى جانب الفنانين الذين صدحوا بقصائده المغناة أمثال: طلال مداح، ومحمد عبده، وعبادي الجوهر، وعبد المجيد عبد الله، وخالد عبد الرحمن، وعبد الله الرويشد، وكاظم الساهر، وصابر الرباعي، وراشد الماجد وغيرهم، وامتلاكه لأعمال فنية كثيرة مع مع كبار الفنانين في الوسط المحلي والعربي.
ووثقت الهيئة العامة للترفيه تاريخ الأمير بدر بن عبد المحسن الأدبي والفني؛ بتسمية أحد مسارحها بـ”مسرح الأمير بدر بن عبد المحسن”؛ وذلك خلال مناسبة تكريمه عام 2019م في ليلة كان عنوانها “ليلة الأمير بدر بن عبد المحسن.. نصف قرن والبدر مكتمل”، إضافة لإعلان هيئة الأدب والنشر والترجمة في عام 2021؛ عزمها على جمع وطباعة الأعمال الكاملة الأدبية الكاملة للأمير بدر بن عبد المحسن تنفيذًا لتوجيه صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة؛ تقديرًا لإسهاماته في الحراك الإبداعي السعودي خلال خمسة عقود من الزمن، ثم اختيار مهرجان القرين الثقافي في دولة الكويت في دورته الـ28 عام 2023 الأمير شخصية المهرجان.
يستحق مثل هذه الشخصية العربية الأدبية كل هذه الحفاوة والتكريم.. ونسأل الله له الرحمة والغفران.. بالفعل رحيله أدمى قلوبنا.. مختتمًا بيتٍ من قصيدته التي غناها الفنان راشد الماجد:
القطار وفاتنا.. المسافر راح