المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، وهي تبذل وتعطي بقدر إمكاناتها، وكلما زادت تلك الإمكانات زاد البذل والعطاء، ولها أيادٍ بيضاء في أماكن كثيرة من العالم؛ وخاصة في أوقات النكبات مثل: الزلازل والأعاصير والبراكين والحروب، وهذا البذل والعطاء سجية عربية منذ العصر الجاهلي، وما تقدمه المملكة للآخرين لا يتبعه منٌّ ولا أذى، وإن حدث ذلك فيحدث من بعض السفهاء الذين لا يمثلون إلا أنفسهم ردًا على سفهاء جحدوا فضل المملكة، وهم أيضًا لا يمثلون إلا أنفسهم، ولم يتوقف العطاء والبذل على الدولة فقط، وإنما كان ذلك بارزًا على مستوى الأمراء والتجار والأفراد. رحم الله من مات وأطال في عمر الأحياء بالصحة والعافية، وبارك فيهم، ومن ذلك أن معالي الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي كان يتردد على القاهرة، لأسباب مختلفة، منها إنجاز رسالته للدكتوراة، وكان، من وقت لآخر، يزور الشيخ العلامة محمود شاكر أبو فهر في مسكنه، ولاحظ كثرة الطلاب والزوار والرواد، وأن البيت صغير، وأن أهل الشيخ يعانون من ضيق البيت وكثرة الزوار، وكثرة العمل في خدمتهم، فعرض أمره على الأمير نايف -رحمه الله-، فأمر له بمبلغ كبير، وتم التأمين له بسكن كبير، انتقل إليه الشيخ وأسرته، واصل الشيخ أعماله العلمية وكتاباته بهمة، وكان الشيخ محمود شاكر من أبرز المنافحين عن الحضارة الإسلامية واللغة العربية، وتصادم وهو طالب في الجامعة مع كبار الكتّاب والمفكرين المنبهرين بالمدنية الغربية، والداعين إلى تقليدها في كل شيء، حذو القذة بالقذة، واستمر على منهجه ذاك إلى أن وافاه الأجل -رحمه الله-. وقد مُنح جائزة الملك فيصل للدراسات الأدبية عن كتابه عن المتنبي، وله عدد من الكتب والتحقيقات، من أشهرها بعد كتابه عن المتنبي كتاب (أباطيل وأسمار) مجلدان، وكتاب: في الطريق إلى ثقافتنا، وحقق عددًا من الكتب.
رحمه الله تعالى ورحم الأمير نايف، وأطال في عمر الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي، وأدام على هذا البلد المعطاء أمنه ورخاءه واستقراره، وقد قلت في موضوع مملكة البذل والعطاء تحت عنوان (بلدي):
يا منبع الخيرِ يا قتّالةَ الحسدِ
يا من أعزُّ على نفسي من الولدِ
يا موطنَ العدل يا نجمًا تألقه
فاق النجومَ وعن مجراه لم يحدِ
قد عمَّ خيرُك أرضًا لا حدود لها
فالصحبُ في نعمةٍ والأهل في رغدِ
يا مهبطَ الوحيِ يا أرضا تفردُها
بالمسجدينِ وبالتوحيد والرشدِ
سيري ولا تمنعي المعروفَ عن أحدٍ
فأنت أكرمُ أرضِ الله يا بلدي…