المقالات

الاستدلال والسرقات العلمية!!

يُعَرّف استدلال الأبحاث العلمية بأنه اقتباس أو أخذ معلومات من أبحاث أو رسائل علمية قام بها أساتذة أو علماء، وتم نشرها في مجلات علمية متخصصة.
وهنا يتعيَّن على الباحث الحيطة وتوخي الحذر ونسب الجهد والفضل لصاحبه، وبمعنى آخر يتعيَّن على الباحث ألا يرتكب بقصد أو بغير قصد أيًّا من المخالفات التي تندرج تحت وصف “عدم الأمانة العلمية”، ولا نُبالغ إذا تم تسمية ذلك بالجرائم العلمية، فهي بلا شك تنتهك كل القواعد الأخلاقية للبحث العلمي.
ولقد اشتهر الكثير من العلماء المسلمين في عصر النهضة الإسلامية بالأمانة العلمية، لذلك تجد كتبهم وقد امتلأت بأسماء العلماء الذين نقلوا عنهم، وذلك مثل: أبقراط، وجالينوس، وسقراط، وأرسطو وغيرهم، وقد أنزلوهم منزلتهم، وأعطوهم التقدير الكافي.
أما الانتحال أو (الاستلال)، فهو مصطلح أدبي للسرقة العلمية (Plagiarism)، وتعني نسخ غير قانوني وغير أخلاقي لأعمال الآخرين وادعاء ملكيتها، والتي تم تفسيرها في السنوات الأخيرة على أنها انتهاك لحقوق التأليف والنشر العلمي (حقوق الملكية الفكرية).
وبصفة عامة، فإن الانتحال أو ما يُسمى “السرقة العلمية”، هو استخدام باحث جهد وأفكار باحث آخر، وتعتبر السرقات العلمية من أكثر الظواهر انتشارًا في الأوساط الأدبية والعلمية، وقد قدرت الدراسات الإحصائية في هذا المجال أن نسبة العلماء الذين شاركوا في السرقات العلمية حول العالم تتراوح من 1% إلى 3% منهم.
ومن أشهر السرقات العلمية تلك التي حدثت في عام 1967م، فقد اكتشفت طالبة الدراسات العُليا في قسم الفلك بجامعة كامبردج البريطانية العريقة “جوسلين بيل” خلال دراستها “أول نجم نيوتروني دوّار”، إلا أن المشرفين على دراستها وهما (أنتوني هويش) و(مارتن رايل)، هما من حصلا على فضل وشرف ذلك الاكتشاف، وحصلا بذلك الاكتشاف على جائزة نوبل في مجال الفيزياء في عام 1974م.
شخصيًا لا يزال في الذاكرة عندما زارني في مكتبي بقسم الإحصاء بكلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز، عضو هيئة تدريس في إحدى الجامعات السعودية، وأثناء جلوسه في المكتب، لاحظ على مكتبي صورة بحث علمي عن تقدير لعدد الحجاج القادمين من الخارج لأداء فريضة الحج لخمس سنوات قادمة بدءًا من تلك السنة، طلب مني إهداءه نسخة من ذلك البحث، وقد غاب عن ذهنه أن البحث قد تمَّ نشره في إحدى المجلات العلمية.
قمت بإعطائه نسخة من البحث، وبعدها بفترة وأنا أتصفح إحدى الصحف المحلية (الندوة)، وجدت خبرًا عن مؤتمر علمي سوف يُقام في جامعة ذلك العضو الذي قمت بإهدائه صورة البحث، وإذا بالبحث نفسه مدرج من ضمن الأبحاث التي سوف تعرض في المؤتمر وباسم ذلك الدكتور.
ومن حسن الحظ أن رئيس المؤتمر كان من أصدقائي، اتصلت به وأرسلت له بحثي المنشور والذي سوف يُلقى في المؤتمر باسم آخر، فما كان منه إلا تصحيح الوضع، وتم سحب البحث من ذلك المؤتمر، وانتهى الأمر عند هذا الحد نزولًا عند رغبة صديقي رئيس المؤتمر.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى