المقالات

المجالات العلمية والأدبية ما بين مُمارس لها ومُتخصص بها

حقيقةً لا أعلم متى تنتهي هذه الحرب العوجاء والشرسة بين المُمارسين في العمل الإعلامي والذين ساعدتهم التجربة على أن يُكّونوا خبرة عملية مناسبة وجيدة، وما بين المُتخصصين الذين لم يكتفوا بالتجربة فقط بل تعلموا واجتهدوا وثابروا حتى تمكنوا من الحصول على أفضل الشهادات في تخصصاتهم، هي حرب قد لا تكون مُعلنة أو واضحة ولكن يشعر بها من هو موجود في المجال الإعلامي، فكل فئة تجد أنها الأجدر والأحق بأن تُمثل هذه التخصصات العلمية والعملية، متناسين تمامًا السبب الرئيسي في اندلاعها والذي يتمحور حول عدم فهم الدور الرئيسي والأساسي لهم في هذا العمل الإعلامي، ولا أبالغ عندما أتحدث عنها بكونها حربًا عالمية وليست في مجتمعاتنا العربية أو مجتمعنا السعودي فقط، وحتى أكون منصفًا فهي ليست في المجال الإعلامي فقط بل تجدها في المجالات الأدبية والعلمية أيضًا، ومن وجهة نظري أجده أمرًا طبيعيًا تنمويًا لتقارب وتشابه الأدوار فيما بينهما؛ لكن أن تصل المسألة بهم إلى التقليل من عمل الآخر، فهذا لا يتقبله عقل ولا يرضاه منطق، فعلى سبيل التوضيح ظهر أحد الإعلاميين البارزين ومن المشهود لهم بالكفاءة الإعلامية في لقاء إعلامي متحدثًا عن تجربته الثرية في المجال الصحفي، وخلال إجابته تطرق إلى من يحملون الشهادات العليا في المجال الإعلامي بأنهم يحملون “ورقة دنيئة”، لذلك لم يُكمل مسيرته التعليمية والأكاديمية حتى لا يكون من حامليها، بل الأدهى والأمر من هذا كله هو عدم توقف المُقدم عند هذه الوصف المُشين والذي لا يليق بمن هم نخبة المجتمع، فقبوله لمثل هذه المُفردات غير اللائقة يبعث برسائل اتصالية توضح موافقته ورضاه على هذا الوصف غير المقبول، فكان من المفترض من المهنية العالية أن يمثل الطرف الآخر ويدافع عنهما في ظل غيابهما، بل ويطلب منه الاعتذار عن هذا الوصف لأشخاص قد ضحوا بعمرهم وحياتهم واجتهدوا وصبروا وتعبوا وسهروا حتى يحصلوا على أعلى الشهادات في تخصصهم الذي أحبوه واتخذوا من تدريسه مهنة لهم، ما تستغربه بل وتصل لمرحلة السخرية والضحك منه هو الاستنقاص من المتخصصين الأكاديميين لأنهم متعلمون ومثقفون وباحثون، تتلمذ على يديهم الكثير ممن هم الآن مشهود لهم بالكفاءة في المجالات الأدبية والإعلامية خصوصًا، وحتى تتأكد عزيزي القارئ المُتخصص بأنها أمور ليست اعتباطية وأنها ناتجة عن عُقد نفسية داخلية يريدون أن يقنعوا غيرهم بها، سارعت بالقيام بعمل تحليل لمضمونهم ومحتواهم وأولهم هذا المُقدم بمشاهدة أغلب حواراته وتحليلها، وللأسف وجدته عندما يستضيف أكاديميين متخصصين تظهر هذه التجاوزات للعلن، فمن خلال لقائه بأحد المستشارين الإعلاميين والأكاديميين، حاول التقليل من منجزاته ومناصبه التي توالى عليها بوصف وجوده في هذه المناصب بالفشل الذريع طيلة الجزء الأخير من الحلقة، بالرغم من أنه من المهنية بمكان أن يتخذ موقف الحياد بأن لا يُبدى رأيه ولا يحكم على تجربة الضيف بالفشل، وخصوصًا بأن المدارس التنظيرية والأساسية والتطبيقية – والتي أعتقد أنه لم يكن يحضرها إن كان قد درس بأقسام الإعلام، تفرض عليه بأن لا يُبدي رأيه في الشخص أو في الأمر مهما دعت الظروف بل يتوجب عليه أن ينقل الصورة بحيادية تامة للجمهور، ويقوم الجمهور بتكوين رأيه حيالها، لا أن يفرضها على الجمهور فرضًا وخصوصًا وأن الجمهور المُتابع جمهور واعٍ ومثقف ومُدرك للأمور من حوله وليس منقادًا مُتبعًا لفكره ورأيه، ومن المواقف المضحكة أيضًا لأحد الإعلاميين عندما ظهر في برنامج من البرامج الحديثة الرقمية، وعندما تم سؤاله عن أمر في المجالات الإعلامية لم يستطع أن يُفرق بين الاتصال والإعلام وما بين الإعلامي والصحفي، فما نراه الآن هو ما كان يقوله العرب سابقًا عندما ينسب شخصًا عيوبه لآخر بـ”رمتني بدائها وانسلت” وهذا للأسف ما يحصل اليوم من الهجوم الكبير وغير المُبرر على الأكاديميين من المتخصصين في المجالات الإعلامية والاتصالية والتسويقية وغيرها من المجالات الأدبية وحتى العلمية؛ وذلك بالتقليل من مُنجزاتهم وأعمالهم ومعلوماتهم، وعند أول اختبار لهؤلاء الناقدين كضيوف في التلفزيون أو عبر البرامج الرقمية ظهر عدم فهمهم واتضح للجميع رسوبهم فيه من خلال ما قدموه من معلومات خاطئة وغير صحيحة، لا تمت للتخصص بصلة، فاتضح للجميع بأن الهدف لم يكن الشخص المتخصص، إنما كان الذنب الذي اقترفه الأكاديمي المُتخصص ووجب عليه التوبة منه وأن يكّفر عنه هو “ورقته الدنيئة – شهادته العليا”.

عمرو عادل بسيوني

محاضر - جامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى