يُعد اكتشاف عالم القرن السير (إسحاق نيوتن) لقوانين القوة والجاذبية، أحد أبرز الأفكار التي أُسس عليها عصر “التنوير” الأوروبي في القرن السادس عشر الميلادي.
وقد وصف ذلك الأديب الفرنسي (فولتير) عام 1627م في مقالته الشهيرة عن “الشعر الملحمي” قائلًا: “إن إسحاق نيوتن هو أول من فكّر في نظام الجاذبية، عند رؤيته تفاحة تسقط من على شجرة في حديقة منزله”.
وفي مقالته بمجلة “نيويوركر” كتب الأكاديمي (توماس ليفنسون) الأستاذ بجامعة ماساتشوستس قائلًا: “إن نموذج نيوتن لا يمكن تكراره؛ لأنه لن يبلغ أحد مستوى إنجازاته مطلقًا، ولا تبدو مقولة إن انتشار الطاعون وهروبه لخارج مدينة (كامبريدج) هيئ الظروف لولادة نظرية التفاحة العبقرية لنيوتن صحيحة، بل هي مضللة إذا تمَّ استدعاؤها كنموذج ومقياس لنجاحنا في موسم كورونا الذي ضرب دول العالم”.
ويزيد (ليفنسون) فيقول: “إن سقوط التفاحة على الرأس كتشبيه كان جزءًا من المشكلة، وكانت هناك شجرة تفاح حقًّا على الجانب الآخر من الطريق المقابل لمنزل نيوتن الريفي، ولا تزال حديقة صغيرة هناك حتى الآن، وحكى (نيوتن) القصة بنفسه في أواخر حياته مستذكرًا؛ إنه كان يتأمل الشجرة ذات يوم فلاحظ أن القمر في مداره والتفاحة على غصن الشجرة يخضعان للقوى الطبيعية نفسها”.
ويستدرك الكاتب، أنه من السهل أن يقفز القارئ من مذكرات رجل مسن، إلى أن هدوء الريف أشعل شرارة ميلاد علوم حديثة ولاكتشاف الجاذبية، لكن الحقيقة هي أن الأفكار العظيمة تتطلب عملًا مرهقًا، يتضمن ملاحظة طويلة وتفكيرًا عميقًا، وليس “في صورة صواعق رعد يمكن أن يأتي بها الإلهام في ظروف مواتية، مثل: العُزلة الإجبارية أثناء تفشي وباء”.
من جانبه كتب محرر سيرة (نيوتن) السيد (ريتشارد ويستغال)، موثقًا بدقة تطور الفكرة عندما بدأ (نيوتن) يفكر في أكثر الأسئلة إلحاحًا في العلوم أثناء استمراره في الدراسة من أجل امتحاناته في كلية “ترنيتي” بجامعة كامبريدج البريطانية، خلال العام الذي سبق وباء انتشار وباء الطاعون.
وتسرد وثيقة مكتوبة بخط يد (نيوتن) المشاكل التي كان يحاول حلها، ومن بينها المادة والمكان والوقت والحركة والنظام الكوني، ثم الضوء والألوان والرؤية، واستمرت القائمة من خلال الأسئلة التي سيتابع بحثها على مدى العقدين التاليين.
وفي السنة التي سبقت الطاعون 1664م، بدأ (نيوتن) التفكير بعمق في الرياضيات، واكتشف في نفسه الموهبة الاستثنائية للتفكير المجرد، وهي الموهبة التي ستزدهر عندما وصل إلى منزله الريفي، ويؤكد الكاتب أن ما مكّن (نيوتن) من إنجازاته العبقرية أثناء وبعد العُزلة الإجبارية في زمن تفشي الطاعون لم يكن الانتقال للمكان الريفي الهادئ، وإنما التفكير المستمر في الموضوع، وهو ما كتبه بنفسه عندما سئل عن كيفية اكتشافه الجاذبية.
ويختم الكاتب مقاله بالقول: إن القيام بعمل ما ينبغي عمله، هو ما أدى لاكتشاف (نيوتن)، واستفاد بالطبع من تراكم كبير في علوم الرياضيات والفلسفة والطبيعة عبر العصور، وهذا ما فعله (نيوتن) وهو طالب في جامعة كامبريدج قبل الطاعون، واستمر بعد ذلك، ووصف (نيوتن) في مذكراته سنوات الطاعون بأنها: ” حدثت في أوج عمري للاكتشاف أكثر من أي وقت مضى”.
0