الثقافيةملحق صحيفة مكة الأدبي

قراءة في رواية “لم تعد كما كانت” للكاتبة دعاء البطراوي

بقلم: الناقد محمد طاهر 

 

الغلاف والتصميم الذى أُعد به أعتبره عتبة من عتبات النص حيث أرى وردة بنفسجية اللون(فهو لون الملوك و النبلاء وهو دلالة على الرفاهية و القوة ) تغطى رأس إمرأة من الخلف ولون أسود(يرمز لسوء الحظ و التعاسة و الحزن فهو لون سلبى يدل على الفناء ) فى خلفية الصورة و هذا يكشف بعض الشىء التى تساعدنا فى فهم ما وقر فى نصوص الكاتبة و هل تتسق مع عنوان المجموعة أم لا ؟ 

الإهداء : 

من الإهداء أبدأ فهو إحدي العتبات ، “إلى نفسي القديمة التي غادرتني ،إلى ملامحي بالمرآة التي لم أعد أعرفها ،إلى قلبى المعبأ الذى تحمل الكثير… ولايزال ” فهو إهداء صادم يشى بما هو قادم و يلمح له فى كلمات بسيطة و لكنها صوب الهدف الذى تسعى له الكاتبة فمرارة السطور واضحة.ثم تسرد لنا أقوال من تأثرت بهم من أدباء و شعراء كما أسلفت قول أبو حيان التوحيدى لتعرفنا عن نظرتها للأدب بشكل عام و أثره وكذلك حرصها على تعظيم دور القرأة فى حياتنا بل هى تهبنا حيوات كما ذكرت ولذا نفهم أنها رسالة واعية من كاتبة تعرف كيف توجه رسائلها حيث القرآة مفتاح الكتابة كما أسلفت عن الأديب الكبير عباس العقاد ثم تتجه صوب الكتابة كما قالت عن كافكا “الكتابة انفتاح جرح ما” و هنا دلالات عديدة عن اتساع ثقافة الكاتبة و دلالة عن إيمانها بالصدق الفنى و هذا ما يشعر به القارىء و يتمسك به و يقدره فى الكاتب .

قراءة عامة في المجموعة  

المجموعة تتكون من أربعة عشر قصة تجد فيها الكاتبة تمسك جيدا عمود الحكى مع القبض على التكثيف بلا خلل فى الفكرة أو الخطاب السردى فلا ترهل و لاقصور فى طيات النصوص و تعرف من أين تبدأ و إلى أين تذهب بدلالات واضحة دون التباس فعناوين القصص يبدو جيد متسق مع الأجواء الدرامية التى تسردها الكاتبة فالمرأة مكون أساسى بل و حجر زاوية فى نصوصها، حيث المرأة نقطة محورية يدور حولها العالم ولذا تستطيع أن تكون وجهة نظر أولية عن كيفية بناء عوالم الكاتبة التى ترى المرأة فى قصة “مواجهة” التى تنتفض ،و تارة المرأة الموظفة المتسلقة كما فى ” حذاء نظيف” وكذلك المرأة التى تدخل مرحلة عمرية حرجة كما ” فى شعرة وحيدة بيضاء ” وتعبر عنها بعنوان شديد الذكاء ، وأيضا البنت التى تتزوج تحت تأثر العوز و مآساتها وكيف العنوان هنا ” سجن” و عربة الزفاف هى ” عربة الترحيلات و كذلك المرأة النكدية التى تتشاجر دائمامع زوجها و كيف تدير الصراع الداخلى باقتدار كما فى قصة ” كان هنا ” ، بالإضافة للمرأة التى تقع فى الرذيلة وتعش أجواء مليئة بالانحرفات كالسكر و الإدمان و الجنس ومشاهد الفقر تغلف المكان كما فى “خلف الباب المؤصد” ، ولم يفت على الكاتبة التصدى لوقائع التحرش كما سردت فى قصتها “خربشات ” والتى تدق فيها جرس إنذار يلفت الانتباه لكون المتحرش قد يكون أى من كان فلا يغرنا سنه أو مدى قربه من العائلة، تأتى فى قصة “كمثراة ” تلقى الضوء على الزوجة التى تدخل عالم الرجل الذى ترمل ومعه أولاد و كيف تسرد ببراعة مآساتها معه و كيف نجحت فى ارسال خطابها السردى لنا ! ،وكيف كان أثر المرأة فى حياة حبيبها آدم عندما انتهت علاقتهما معا كما فى ” بعثرة روح ” ومازالت الكاتبة تفتح عوالمها الأنثوية لتسرد لنا لحظة من اللحظات الفارقة فى حياة أى إمراة متى مرت بها و هى لحظة الطلاق و غلفتها بعنوان شديد الذكاء وهو ” مكياج” لتنقل لنا عالم مواز لتلك اللحظة و التى صورتها بابداع سامق ، وفى قصة ” الظل ” تناولت قضية زواج الصالونات برؤية مختلفة و جعلت من الظل معادل موضوعى تبنى من خلاله اشكالية هذا الموضوع و تغلفه بروح الفكاهة ، أما عن الخيانة التى تقوم بها اى من طرفى العلافة فقد تناولته فى قصتى ” البرص ” و كذلك ” الرائحة ” ففى القصتين يوجد معالجة موضوعية لهذه النقيصة بابداع مشوق وبأفكار مبدعة بلا ملل أوترهل، ثم قصة المجموعة التى عنونت المجموعة بها ” لم تعد كما كانت ” فقد وضعتها فى أخر المجموعة لا أدرى لماذا وهى تنظر منها للمرأة التى أعطت كل شىء و نالت الخزلان و بالتالى وجب عليها تغيير شامل فى حياتها فى كل تفاصيلها و هى التى تمردت على كل شىء فالصدمة كانت كبيرة و غيرت شخصيتها تماما وهنا الغدر الذى نالته من زوج استغلها فتعطينى الكاتبة دلالات عديدة عن التغييرات التى لازمتها اثر المحنة التى مرت بها.

فالجو القصصى للمجموعة مشحون بروئ متعددة تجاه قضايا المرأة من زوايا متعددة و واضح جدا أنها مهمومة بها سواء كانت هى الظالمة أو المظلمومة فى اطار قصصى شيق وسرد مرن فما سكتت عنه الكاتبة كان أقوى مما صرحت به ،فيتميز أسلوبها بالتكثيف الشديد و القدرة على صناعة حوار داخلى أو خارجى بكفاءة و موضوعية وقد أرى أن الكاتبة قد وُفقت فى اختيار عناوين قصصها والتى تتسق مع أجواء الدراما التى صاغت منها الموضوع فالأفكار واضحة و اختيار الألفاظ موفق و كذلك احكام الدلالة كان لحد كبير فى موضعه و لعلى أبحر فى بعض الأعمال محاولا الغوص فى عوالمها .

فالكاتبة تملك أدوات السرد و القدرة على احكام الدلالات و كذلك القدرة على إقامة حوارات داخلية و خارجية بكفاءة مما يؤهلها لكتابة السيناريو و الحوار فهى لها القدرة على اقتطاف اللقطة و سردها بأدوات السارد الماهر الذى يعرف بيئة الحكى و يعبر عن مكنون الشخوص دون التغول على القارىء فى فرض رؤية ما فتجد أنها تحبذ التكثيف ، وتلك مهارة مهمة و التى تدل على فهم الكاتبة لبنية الشخوص و الحو الدرامى التى تنطلق منه، لم أجد الكاتبة تطل برأسها فى عمود الحكى و لكن تجعل دراما الموقف هى السيد و الشخوص هى أدواتها الفاعلة، فهى ترسم الشخوص بعناية فى مساحات زمنية و مكانية قصيرو و صغيرة و هذا متسق مع مبدأ التكثيف التى اتبعته ولكن كنت أود أن أرى الكاتبة فى أجواء قصصية لشخوص متعددة و متشابكة العلاقات كى نتعرف على رؤية أكبر لعوالمها ، ففى تسع قصص كانت الجمل الفعلية هى مدخل الكاتبة للنص ودلالة على الحركة و الحيوية و التجدد بينما خمس قصص بجمل اسمية وهذا للدلالة على الثبوت و التقرير والتوكيد معا. النهايات أغلبها مفتوحة وبدلالات تشى بالمعنى على سبيل المثال فى” الرائحة” و”لم تعد كما كانت” و”حذاء نظيف “… لكن مستوى الدهشة لم يكن بالقدر الكافى الذى يتناسب مع حرفية السرد المكتوب فالشَرك الذى يصنعه الكاتب إحدى الأدوات فى امتاع القارىء ، لم أجد مشاكل فى بنيوية النصوص و هذا لأن الكاتبة تعلم جيدا ما تكتب عنه. 

لم يغب الرمز فى طيات سرد الكاتبة فى كثير من قصصها فى تلك المجموعة كما فى قصة حذاء نظيف و الرائحة و كذلك البرص و خربشات ومكياج وبعثرة روح وسجن و هذا من عناصر السرد القوية التى تفتح افق للقارىء كى يتلقف رؤية الكاتب بلا مباشرة فجة أو تصريح قد يضر بالمعنى . 

إحصائيات فى معجم الكاتبة  

-جاءت لفظة “حب” ومشتقاتها عشرين مرة فى سياق القصص وكذلك “قلب” ست مرات و هذا يدل على هم الكاتبة بالحب و أثره فى بنيات سردها و محور هام من اعمدة قضاياها و بالتزامن مع المراة التى تمثل حجر زاوية فى سردها و كأنه رسالة مُبطنة لأثر الحب فى دراما القصص التى تنسجها 

-جاء لفظ “رجل” أربع مرات و هذا يدلل على أن الصراع لم يكن ذكورى بحت بل ربما العادات و التقاليد و كذلك الزميلات و الصديقات و ربما الزمن أيضا 

– جاءت لفظة ” ملامح ” ست مرات و هذا يكشف لنا مدى اهتمام الكاتبة بالخصائص الشكلية فى تيمات الحكى و هذا يتسق مع رؤية المراة للعالم سواء كاتبةأو بطلة فى شخوص الحكى .

-من الغريب أن تجد لفظة “زواج” و ” طلاق” خمس مرات فى قصصها وهذا مثير جدا و كأنها رسالة لنا جميعا ليس الزواج شيئا عظيما مالم يتحقق منه السعادة و ليس الطلاق شىء بئيس فربما يكون حل وما هو الميزان التى قاست به تكرار اللفظتين بمعدل متساو ! 

– جاءت لفظة “حياة” ست مرات و لفظة “موت” مرة واحدة وهذا يشى بمدى حب الكاتبة للحياة و انحيازها لها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى