يرى بعض المثـقفين اليوم بأن البشرية على استعداد لمغادرة مرحلة حضارية عشناها إلى مرحلة حضارية جديدة كليًا.
أعتقد أن ذلك مرده بأن الحضارة طبيعة بشرية، فالحضارة لا تأخذ صفة الجمود إلا في المجتمعات البدائية، والحضارة إنما هي نتاج ثقافة الإنسان، وأشرت في مقال سابق بأن الثقافة هي التي ولدت الحضارة حتى أصبحت الثقافة جزءًا من الحضارة، وشبهت ذلك “بالأمة التي تلد سيدتها”.
من طبيعة التحضر البشري وجود العوامل المشتركة ومن هذه العوامل التفكير، والتعامل مع الحياة وما فيها، وما يناسبها، ومن العوامل المشتركة الأرض وما فيها وما تنتجه، ومن العوامل المشتركة الخصائص البشرية وما تحتاجه.
لذا فالحضارة منتج بشري تراكمي على مر الأزل تأتي حضارة إنسانية متولدة من حضارة سابقة لها تأخذ في الحسبان مؤثرات الزمان والمكان وحاجات الإنسان الضرورية والكمالية والتحسينية.
هل نشهد انتقالًا من حضارة سابقة لحضارة جديدة كما يراه بعض مفكري اليوم ومثقفيه !
أعتقد ذلك لأن كما أشرت أن ذلك طبيعة بشرية وزمانية ؛ فلقد كان للاتصال الحديث دوره في هذا الانتـقال، والذي أوجد بدوره تلاقح الثـقافات، وربما أصبحت الثـقافة والحضارة بوطن ما إنما هوية كاللبس والعادات والتقاليد؛ بينما ثـقافة اليوم وحضارة اليوم تأخذان صفة العالمية فالتلاقي البشري المعاصر سواء كان مباشرًا، أو غير مباشر أوجد نوعًا من وجود ثـقافة خاصة في الخطاب، وربما ستوجد مصطلحات فكرية قادمة غير ما ألفناه من مصطلحات سابقة “كالعولمة”، وربما ستختفي فكرة صراع الحضارات الذي تبناه صامويل هنتنغتون إلى تفاهم الحضارات، وهذا المصطلح أراه هو القادم.
قد نشهد فكرًا ثـقافيًا وحضاريًا أكثر تبسيطًا من السابق الذي يقوم على تبني رؤى فكرية قد لا يفهمها ويتعامل معها سوى المفكرين والأكاديميين المختصين؛ لأن الأجيال المعاصرة تميل للقوالب البسيطة والسهلة دون التعقيد، وقد نشهد مصطلحات تخاطب عالمية مختلفة جذريًا عن السابق.
خلاصة القول:
الحضارة والثقافة ليست منتجًا دينيًا بل بشريًا مشتركًا، وما أتت الأديان إلا مهذبة لسلوك البشر؛ وبذلك تكون الحضارة والثقافة مهذبة، التغيير طبيعة بشرية مشتركة، وعلى مؤسسات التأثير في المجتمعات وعي ذلك كمؤسسات التعليم والثـقافة، والتعليم.
المجتمعات التي بقيت على نمط حضاري وثقافي يُشار إليها بالجامدة والبدائية، وقوة المجتمعات تأتي من قوة الثـقافة والحضارة التي تتماشى مع العصر ومتطلباته.
0